الحلقة الرابعة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي • يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: ٢٧-٢٨]، قال أهل التفسير: “وأطلق لساني بفصيح المنطق؛ ليفهموا كلامي” !!
الكلام هو أكبر وأعظم ظاهرة بشرية مارسها بنو آدم: في تعاملاتهم واجتماعاتهم؛ وأفراحهم وأتراحهم؛ وحربهم وسلمهم؛ منذ خُلِق آدم -عليه السلام- وحتى قيام الساعة .. فيا لله .. كم للإسلام من سبق في كل مجال له علاقة بسلامة وطمأنينة وأمن الناس؟! من ذلكم: اللسان؛ الذي هو أداة الكلام ومبعثه، حباه الله تعالى للإنسان؛ ليرتفع به ويسمو في الدنيا والآخرة؛ ويسمو مجتمعه .. وقد يكون سببا في هلاكه؛ وهلاك مجتمعه .. في حديث للمصطفى صلى الله عليه وسلم قال فيه لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم؛ أو علَى مناخرِهم؛ إلَّا حصائدُ ألسنتِهم)[صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢٨٦٦)] !!
لذا يلهج أهل الإسلام بالدعاء الصادق أن يثبتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [ابراهيم: ٢٧]، وبما أن أعظم الكلام كلام الله تعالى؛ وقد أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلوه على الناس، قال تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} [النمل: ٩٢]؛ فسيكون كلام المسلم عظيما إذا كان قرآنا؛ أو ما وافق هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة !!
والذي دعاني إلى الكلام عن اللسان وما ينبعث منه من كلام -وأثر ذلك على المجتمعات المعاصرة- هو أننا في عصر أصبح العالم فيه كالقرية التي يعرف فيها الناس بعضهم بعضا؛ بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؛ وسرعتها الفائقة عبر النت !!
ومما لا شك فيه أن الكلام الطيب المفيد ينبعث من القيم الصحيحة التي يتبناها المجتمع .. أمّا إذا خلا المجتمع من قيم الخير والفلاح والصلاح؛ وصارت لا تحركه إلا الشهوات والأطماع والجشع؛ وصار يسمع الغرائب والعجائب والأباطيل في إعلام الحضارات المادية؛ عندها يتذكر المسلم عظمة توجيهات الإسلام في باب الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ) [متفق عليه] !!
ولا نبالغ إذا قلنا إن اللسان أضحى -في هذا العصر- السلاح الأعظم والأخطر والأمضى في تدمير المجتمعات، خاصة وقد ضعُف تأثير ألسِنة الأفراد كأفراد -لانشغالهم بأمر معيشتهم- وارتفعت ألسِنة جماعية؛ تخطط لها وتوظفها مؤسسات إعلامية وثقافية وسياسية؛ تجمع لها المادة -الخبيثة- وتفرزها؛ ليقوموا ببثها بين الناس !!
وفيما يلي أقف وقفات مع بعض أصناف الألسِنة الباغية -الصادرة من إعلام مجتمعات الحضارة المادية- لحرب الحق في كل مكان، فأقول وبالله التوفيق:
ألسِنة المستعمرين الظالمين؛ الذين يُصرّحون -بكل جرأة وصلف واستبداد- بحرب الإسلام وأهله؛ كما كان يفعل أسلافهم، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [ابراهيم: ١٣] !!
ألسِنة الخائضين في الباطل؛ الذين ينشرون الإلحاد؛ ويعملون على التشكيك في الدين وثوابته -ويدخل معهم كل من حذا حذوهم من الزائغين من أبناء المسلمين؛ كالمشككين في السنة المطهرة-، وكذلك الذين ينشرون الرذيلة؛ ويحاربون الفضيلة -في إعلام الحضارة المادية؛ على منصات التواصل؛ ومشاهيرها الزائفين-، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: ٦٨]، قال أهل التفسير: “وإذا رأيت -أيها الرسول- المشركين الذين يتكلمون في آيات القرآن بالباطل والاستهزاء، فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث آخر” !!
ألسِنة المستهزئين الساخرين، وهي مادة خبيثة يصدِّرها الإعلام -في مجتمعات الحضارة المادية- في برامج هزلية؛ مادتها الرئيسة الاستهزاء بالخلق؛ لإضحاك الناس، فالحمد لله الذي وجهنا بالبعد عن السخرية والاستهزاء بالناس، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: ١١] !!
ألسِنة باغية تأمر بكتم أفواه كل من ينكر المجازر الإجرامية في غزة -مع زعم تلك الدول بأن ديمقراطيتهم تحمي الحريات-، قال تعالى عن أسلافهم: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: ١٠] !!
وتبقى بعد ذلك آفات للسان كثيرة؛ أكتفي بذكر عناوينها: الغيبة والنميمة .. قول الزور وشهادة الزور .. المراء والجدال .. كلام الإنسان فيما لا يعنيه، قال صلى الله عليه وسلم: (من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٩١١) !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه عظيم أثر اللسان؛ سواء في أبواب الخير؛ أو الشر !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..