التأمل المفيد (٣٧١)

*الحلقة الثانية والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!*

*قال الله تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: ٦٩] !!*

*إنه دين الإسلام العظيم؛ الذي فتح الباب واسعا أمام الغافلين المعرضين؛ للعودة والأوبة والتوبة، بل حتى الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات في الأخدود؛ لم يغلق في وجوههم باب التوبة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: ١٠] .. ليس ذلك فحسب؛ بل جعل للمتقين الصالحين دورا في أوبة وتوبة العصاة، قال تعالى في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .. وهو أن أمرهم سبحانه بتذكيرهم .. هكذا بينت الآية الكريمة: {ذِكْرَىٰ} من المتقين الصالحين؛ للغافلين المعرضين؛ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} !!*

*وموضوع التذكير بالله العظيم -الأمر بطاعته؛ واجتناب معاصيه- موضوع جلل وعظيم؛ ينبغي لكل مسلم ألا يغفل عنه طوال حياته، إذ ممارسته من ضمن التكاليف التي كُلِّف بها المسلم، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: ٧١] .. وذلك لما يحمله التذكير من رحمة للناس -خاصة العصاة- حتى لا يتعرضوا لمقت الله تعالى وسخطه !!*

*ولأن موضوع التذكير -بوجوب طاعة الله تعالى؛ واجتناب معاصيه- موضوع جلل ومهم؛ فقد نوّع القرآن الكريم؛ والسنة المطهرة طُرُق بيانه؛ وبيان الشُّبه التي لحِقت به، من ذلك:*

*ظن البعض أن الحساب والعذاب يعمّ حتى الآمرين بالمعروف؛ الناهين عن المنكر؛ إلا في حال واحدة: إقلاع العصاة عن معاصيهم .. وهذه لا ريب شُبهة !!*

*فتأتي الآية الكريمة: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: ٦٩]؛ مبينة أنه لا حساب ولا عذاب -من الله تعالى- على الآمرين بالمعروف؛ الناهين عن المنكر؛ ما داموا يقومون بواجب التذكير؛ سواء أقلع العصاة عن عصيانهم؛ أم لم يقلعوا .. أمّا إذا ترك الصالحون الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ وانتشرت المعاصي؛ بسبب عدم التذكير؛ فعندها يعمّ العذاب الجميع -الصالح والطالح-، قالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: (نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ) [متفق عليه] .. كثرة الخَبَث: انتشار المعاصي والمنكرات؛ وعدم إنكارها، قال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (٧٠٧٠)]؛ وفي الآخرة يبعث الصالح والطالح على نياتهم؛ كما جاء ذلك في النصوص الشرعية !!*

*وكذلك من الآيات التي تتجلى فيها رحمة الله تعالى -بفتح باب التوبة والأوبة واسعا أمام الغافلين المعرضين؛ وإسناد دور للمتقين الصالحين؛ في أوبة العصاة وتوبتهم- قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: ١٦٤] !!*

*بين الله تعالى في الآية الكريمة أن البعض قد يترك تذكير العصاة بالله العظيم -بأمرهم بطاعته؛ واجتناب معاصيه- متذرعين بأن الله تعالى سيعذب العصاة عذابا شديدا؛ فلا داعي إذن لتذكيرهم !!*

*وعدم التذكير بالتذرع بأن الله تعالى سيعذب العصاة؛ شُبهة يقع فيها الكثير .. وذلك أن صاحب هذه الشُّبهة استحضر عذاب الله تعالى فقط؛ وفاته أن يستحضر أمرين آخرين عظيمين؛ جاء ذكرهما في جواب الطائفة القائمة بالتذكير؛ إذ قالوا كما حكى لنا ذلك القرآن الكريم: {مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: ١٦٤] !!*

*أمران اثنان يجب ألا يغيبا عن بال كل مسلم ومسلمة:*

*الأمر الأول:*

*{مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ}؛ وذلك بالقيام بما أوجبه الله تعالى على المسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وفق الضوابط الشرعية التي بينها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه؛ فإن لم يستطعْ فبلسانِه؛ فإن لم يستطعْ فبقلبِه؛ وذلك أضعفُ الإيمانِ) !!*

*الأمر الثاني:*

*{وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .. هذا هو منطق من أنار الله تعالى قلوبهم وعقولهم؛ وتخلقوا بصفة الرحمة؛ فقالوا: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .. فمن ذا الذي يُقنِّط ويؤيس من هداية الله تعالى للغافلين ؟! .. إن الله تعالى يهدي من يشاء .. وقد ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الرحمة بالناس؛ وذلك عندما دعا لقومه يوم أحد؛ وقد كُسِرت رباعيته فقال: (اللَّهمَّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمونَ)[رواه مسلم (٤٩)] !!*

*فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه أهمية التذكير بوجوب طاعة الله تعالى؛ واجتناب عصيانه؛ وما في ذلك من رحمة بالناس !!*

*اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!*

*اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..*
*نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..*
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..