التأمل المفيد (٣٧٠)

الحلقة الحادية والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الإسراء: ١٠٥] !!

لا تمر هذه الآية الكريمة على سمع أو نظر مسلم؛ إلا ويتذكر فترة تنزل الوحي -ثلاثا وعشرون عاما- وما تحمله هذه الفترة القصيرة من لفتات إيمانية عظيمة: تزيد من إيمان المسلم بربه العلي العظيم !!

ثلاث وعشرون سنة؛ لا يكاد الواحد منا ينجز فيها الكثير؛  ويأتي سيد الأولين والآخرين -في فترة مماثلة؛ ثلاث وعشرين سنة- بالحق من علوم الأولين والآخرين: العبادات .. تاريخ الأمم ورسلهم عليهم السلام .. السنن الإلهية .. العلاقات الأسرية .. الاقتصاد .. شؤون القضاء .. العلوم العسكرية .. وغيرها من العلوم .. كما كان -صلى الله عليه وسلم- أسوة في العمل بما علّمه الله تعالى خلال هذه الفترة القصيرة .. فكيف حصل هذا الإعجاز؛ إلا أن يكون كما قال الله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} ؟!!

لقد مكث صلى الله عليه وسلم بين قومه في مكة أربعين سنة؛ لم يقدم لهم عقيدة ولا شريعة -وإن كان عليه الصلاة والسلام في تلك الفترة -وحتى وفاته- عظيما في أخلاقه؛ نابذا لعبادة الأوثان-، وكان صلى الله عليه وسلم أُميّا لا يقرأ ولا يكتب، قال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: ٤٨] .. فمن أين جاء صلى الله عليه وسلم بهذه العقيدة الصافية؛ وبهذه الشريعة المحكمة الوافية، إلا أن يكون كما قال الله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} ؟!!

وفي المقابل استغرقت كتابة الأنظمة الوضعية في الحضارات المادية قرونا -باجتماع أصحاب الفكر والفلسفة- ليخرجوا لشعوبهم بأنظمة وقوانين قاصرة؛ سببت لهم فسادا زيادة على ما هم فيه من فساد .. ولأن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين؛ فإنهم قد أوغلوا في التشريعات الوضعية الباطلة؛ حتى استحلوا في هذا العصر الشذوذ الجنسي؛ وغيره من الموبقات؛ التي أضحت محمية بقوة القانون !!

ويُسأل الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية من قضايا علم الفرائض؛ فلا يحتاج إلى تشكيل لجان من المثقفين لإيجاد الجواب؛ بل يأتيه الحُكْم الفصل من عالم غيب السماوات والأرض، قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ .. الآية} [النساء: ١٧٦]، وصدق القائل سبحانه: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} !!

وإن المسلم ليندهش من كثرة الأدلة والحجج التي يسوقها القرآن الكريم لترسيخ المعنى العظيم الذي حملته الآية الكريمة: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}؛ وأن الله تعالى في السماء؛ أوحى لرسله -عليهم السلام- دينه القويم؛ وشرعه الحكيم !!

فتارة يتعهد الله تعالى بحفظ القرآن الكريم؛ مبينا أنه هو من أنزله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] .. وتكفي هذه المعجزة الخالدة -حفظ القرآن الكريم؛ لا يُزاد فيه أو يُنْقَص منه، أو يضيع منه شيء؛ كما قال أهل التفسير- لتعيد التائهين عن الوحي إلى الاستسلام لمنزله -الله رب العالمين- لو أنهم يعقلون !!

وتارة بانقطاع الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم .. فحينما سألته قريش ثلاثة أسئلة -من النوع الذي لا يعلم جوابها إلا الله تعالى- فقال صلى الله عليه وسلم: (غدًا أجيبكم)، ولم يستثنِ -أي ما قال إن شاء الله- فمَكثَ خمسَ عشرةَ ليلةً لا يُحدِثُ اللَّهُ إليْهِ في ذلِكَ وحيًا، ولا يأتيهِ جبريلُ عليه السلام، حتَّى أحزنَ ذلكَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ، وأرجف به أَهلُ مَكَّةَ، فنزل عليْهِ جبريلُ بسورةِ الْكَهف، ونزل قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، وفيها الأجوبة على أسئلتهم، وفيها قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا • إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤-٢٤] [تفسير ابن كثير (١٣٦/٥)] .. هذا الانقطاع للوحي دليل قاطع على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتنزل عليه وحي السماء، إذ حينما انقطع عنه الوحي لم يجبهم على أسئلتهم !!

وتارة يردُّ سبحانه على شُبه الكافرين؛ التي يطلقونها حول القرآن؛ ليشككوا في تنزله من رب العالمين، من ذلك:

اتهام مشركي مكة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه كاهن؛ وأن الشياطين هي التي توحي إليه بالقرآن، قال تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [الطور: ٢٩] .. فدحض القرآن شبهتهم، قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ • وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: ٢١٠-٢١١] !!

وغير ذلك من الشبه .. كلها رد عليها القرآن الكريم ودحضها !!

وأجزم أن شعوب الحضارات المادية لديهم شبهات حول تنزل القرآن الكريم .. فمتى يفيقوا من غفلتهم عن وحي السماء؛ خاصة بعد أن شاع العلم ببقاء القرآن محفوظا كما تنزل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة؛ واستمرار تحديهم بأن يأتوا بمثله، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] ؟!!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ المُنزّل من لدن حكيم عليم !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..