التأمل المفيد (٣٦٨)

 الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: ١٦] !!

الإلحاح بالدعاء؛ والابتهال إلى الله تعالى أن يقينا عذاب النار؛ هو ديدن المسلم على الدوام .. ويزداد إلحاحه في هذا الشهر الفضيل -شهر العتق من النيران، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ مردَةُ الجنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفتِحَت أبوابُ الجنَّةِ فلَم يُغلَقْ منها بابٌ وَنادى مُنادٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبل ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، وللَّهِ عتقاءُ منَ النّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ) [صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٣٣٩)]-، فاللهم أعتق رقابنا من النار !!

ومن المناسب -والعشر الأخيرة المباركة؛ من شهر رمضان المبارك على وشك الدخول هذه الليلة- أن نستشعر الجائزة الكبرى؛ والفوز العظيم من وراء بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق من النار؛ في ليالي شهر رمضان المبارك، وذلك بالتأمل في بعض النصوص الشرعية؛ التي تحدثت عن ألوان العذاب؛ لأهل الكفر والشرك في جهنم؛ وأحوالهم فيها -عياذا بالله منها-، خاصة والمسلم قد مرت عليه آيات التحذير من نار جهنم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦] .. فيعظُم -بتأمل آيات العذاب- فرحنا بعتق الله تعالى للمؤمنين؛ الخائفين؛ الوجلين من عذابه؛ ويزداد لهج ألسنتنا بالدعاء: اللهم أعتق رقابنا من النار !!

والجنة والنار من الموضوعات العظيمة والمهمة؛ وتعد من ضمن أقوى الدوافع للإقبال على فهم وحفظ كتاب الله تعالى !!

وفيما يلي أقف وقفات مع بعض آيات كتاب الله تعالى؛ وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ التي تحدثت عن جهنم؛ وعن أحوال الكافرين فيها، فأقول وبالله التوفيق:

الوقفة الأولى: بين نار الدنيا ونار الآخرة:

تذكر أخي المسلم ..  لو أن أحدنا اقترب من موقد؛ لأحس بخطورة النار وشدة حرارتها، ولو أن جمرة وقعت في يد إنسان عن طريق الخطأ؛ لشممنا -في ثوان معدودة- رائحة جلده المحترق .. فكيف بنار جهنم ؟! قال صلى الله عليه وسلم: (نارُكم هذه ما يُوقِدُ بنو آدمَ جزءٌ واحدٌ من سبعينَ جزءًا من نارِ جهنمَ قالوا: يا رسولَ اللهِ إنها أي نارَ الدنيا لكافيةٌ قال: إنها فُضِّلَت عليها بتسعةٍ وستينَ جزءًا كلَّهن مثلُ حرِّها) [رواه مسلم (٢٨٤٣)] .. فكيف والكافر يُلقى فيها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: ٤٠] ؟! .. اللهم أعتق رقابنا من النار !!

الوقفة الثانية: ثياب أهل النار ؟

يا له من مصير أليم .. الثياب عادة ما تكون للستر والجمال -وهذا شأن أهل الجنة- لكن أهل النار فُصِّلت لهم ثياب من نار؛ يصب من فوق رءوسهم الحميم؛ يتلبطهم من كل جهة؛ في أجسادهم وبطونهم والجلود، قال تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ • يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ • وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ • كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: ١٩-٢٢] .. حتى ينتهي بهم الحال ليكونوا من وقودها -وهم أحياء- كالحجارة سواء بسواء، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤] .. اللهم أعتق رقابنا من النار !!

الوقفة الثالثة: خلود الكافرين في النار:

كتب الله تعالى الخلود على الكافرين في النار، والخلود حينما يكون في نار تَلَظَّى بوهجها؛ أمر لا يستطيع بشر وصف ألمه إلا القابع فيه .. حكى لنا القرآن مناداتهم لمالك عليه السلام -خازن النار-: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: ٧٧]؛ يريدون الموت مخرجا لهم ممّا هم فيه؛ فإذا بمالك يُبكِّتهم ويزجرهم ويقول: إنكم ماكثون فيها أبدا .. بل لا يَحظَون حتى بتخفيف يوم من العذاب، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ • قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: ٤٩-٥٠] .. اللهم أعتق رقابنا من النار !!

أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا في شهر رمضان المبارك -تدبرا وحفظا وعلما وعملا- حتى يمكننا -بعد توفيق الله تعالى- من استعراض باقي الآيات القرآنية التي تحدثت عن النار !!

اللهم بلغنا ليلة القدر .. وارزقنا قيامها على الوجه الذي يرضيك عنا .. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا  .. اللهم أعتق رقابنا من النار !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..