التأمل المفيد (٣٦٧)

 الحلقة الثالثة عشرة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!

قال الله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: ٦] !!

بعد حديث الله تعالى في صدر سورة الجاثية عن خلق السماوات والأرض؛ وعن خلق الإنسان والدواب؛ وعن اختلاف الليل والنهار؛ وإنزال الماء؛ وتصريف الرياح؛ تأتي الآية السادسة من السورة -آية التأمل في هذا المقال-: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}؛ لتدفع كل ذي بصيرة إلى ضرورة المزيد من التأمل والتدبر والتفكر في هذه الآيات العِظام -الدالة على عظمة الله تعالى- والتي يراها باستمرار؛ وتلامس حياته بالليل والنهار، والموفق من وُفِّق لذلك !!

وقد زخِر القرآن الكريم بالحديث عن هذه الآيات العِظام؛ حتى أن الحديث عن السماوات والأرض قد ورد في القرآن الكريم أكثر من مائتي مرة، فكيف بالحديث عن كل هذه الآيات ؟! ممّا يجعل هذا الموضوع من ضمن أقوى الدوافع للإقبال على فهم وحفظ كتاب الله تعالى !!

وعلى غير عادتي في كتابة المقالات؛ فإنني أجد في نفسي الرغبة -ونحن في شهر القرآن- في أن أشارك القرّاء الكرام؛ بكتابة لفتة عن بعض هذه الآيات العِظام -السماوات والأرض، والماء، وبهيمة الأنعام- ثم نتدبر جميعا خلال تلاوتنا -في هذا الشهر الفضيل- باقي النصوص التي تعرضت لهذه الآيات الكونية العظيمة؛ لنستنبط مزيدا من اللفتات الإيمانيّة حولها، سائلا المولى تعالى أن يفيض علينا من فتوحاته، فأقول وبالله التوفيق:

الوقفة الأولى: السماوات والأرض:

إذا كان تشييد خيمة عملاقة -بطول وارتفاع وعرض كيلو- يثير الدهشة؛ ويدعو إلى التساؤل عن الهدف من تشييدها -وهذا ليس بغريب على فضول الإنسان؛ إذا ما صادف أمرا مدهشا-؛ فأين الدهشة إذن من بناء السماء؛ سقفا للأرض، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: ٣٢]، قال أهل التفسير: “وجعلنا السماء سقفًا للأرض لا يرفعها عماد، وهي محفوظة لا تسقط، ولا تخترقها الشياطين” ؟!!

ثم إذا وفق الله تعالى الإنسان واندهش من خلق السماوات والأرض؛ فإن من تمام دهشته أن يسأل نفسه: ما هو الحق من بنائهما، ذلك أن الله تعالى أبان في كثير من الآيات الكريمات أنه ما خلقهما إلا بالحق، قال تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الأحقاف: ٣] !!

فهيا بنا جميعا -خلال شهر القرآن- نتدبر آيات الكتاب الكريم؛ علّنا نستنبط المزيد من اللفتات الإيمانيّة العظيمة من خلق السماوات والأرض !!

الوقفة الثانية: الماء:

الماء آية أخرى من آيات الله تعالى الموجودة على الدوام؛ والمحسوسة في كل شيء؛ يلفت إليها القرآن النظر كثيرًا؛ بلفتات إيمانية تدل على عظيم خلق الله وكمال قدرته، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ} [الأنبياء: ٣٠]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ} [الأعراف: ٥٧]، فالماء خلق عجيب؛ أضحت الأرض لكثرته وضخامة مساحاته كأنها كوكب مائي !!

فهيا بنا جميعا -خلال شهر القرآن- نتدبر آيات الكتاب الكريم؛ علّنا نستنبط المزيد من اللفتات الإيمانيّة العظيمة من خلق الله تعالى للماء !!

الوقفة الثالثة: بهيمة الأنعام:

من الآيات العظيمة التي سخرها الله تعالى للناس بهيمة الأنعام، وقد جاء ذكرها في الآية التي تحدثت عن خلق آدم وزوجه عليهما السلام؛ مما يدل على أهميتها لبني آدم، قال تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ} [الزمر: ٦] !!

إنّ بهيمة الأنعام نعمة عظيمة؛ قد ملأت الأرض، فهي في كل بقعة منها .. نأكل لحمها؛ ونشرب لبنها؛ ونستفيد حتى من جلودها وأصوافها، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ} [النحل: ٨٠] !!

فهيا بنا جميعا -خلال شهر القرآن- نتدبر آيات الكتاب الكريم؛ علّنا نستنبط المزيد من اللفتات الإيمانيّة العظيمة من خلق الله تعالى لبهيمة الأنعام !!

وإذا كنت قد أشرت في هذا المقال إلى ثلاث آيات من آيات الله العِظام؛ التي جاء ذكرها في صدر سورة الجاثية؛ فإن السورة عرضت كذلك آيات أخرى: خلق الإنسان، واختلاف الليل والنهار، وتصريف الرياح .. وكلها تحتاج إلى تدبر كتاب الله تعالى؛ لاستنباط لفتاتها الإيمانية !!

أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا في شهر رمضان المبارك -تدبرا وحفظا وعلما وعملا- علّ الله تعالى أن يمنّ علينا بالخيرية التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) [رواه البخاري (5027)] !!

اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحسن قيامه !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..