التأمل المفيد (٣٦٦)

 الحلقة الثانية عشرة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!

حكى لنا القرآن الكريم قول نبي الله سليمان عليه السلام: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: ٤٢] !!

يا لله .. ما أجلّ وأرفع العلم الشرعي: آيات الكتاب الكريم؛ وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ بفهم السلف الصالح ! .. وإنه ليحق لكل مهتم بالعلم الشرعي أن يقول مغتبطا كما قال نبي الله سليمان عليه السلام -{وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا}-، ومهما حاول المسلم أن يتأمل في عظمة العلم الشرعي؛ وعلو مكانته؛ فإنه لن يبلغ شيئا يُذكر بجانب ما جاء من تعظيم الله تعالى له في الكتاب العزيز !!

وفيما يلي أقف وقفتين فقط مع بعض آيات كتاب الله تعالى التي احتفت بالعلم الشرعي؛ وبرفعة أهله العاملين به، فأقول وبالله التوفيق:

الوقفة الأولى:

العلم الشرعي: ميزان حق وعدل؛ به يزن المسلم المواقف المختلفة؛ فيهتدي إلى الحق والصواب فيها .. من ذلك: حين انبهر واغتر أولئك النفر -في عصر قارون؛ ممّن كان مبلغ علمهم الحياة الدنيا وزينتها- فقالوا حين خرج عليهم قارون في زينته: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: ٧٩] .. ثم واجههم الذين أوتوا العلم ببيان ما هو أعظم من قارون وزينته؛ وأنفع لهم في الدنيا والآخرة؛ ثواب الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: ٨٠] !!

 وكما انبهر واغتر أولئك النفر بقارون وزينته؛ ثم بين لهم أهل العلم الموقف الحق من ذلك؛ فكذلك حصل -في عصرنا- أن انبهر واغتر بعض أبناء المسلمين بالتقدم المادي للحضارة المادية؛ ولسان حالهم يقول: يا ليت لنا مثل ما أُوُتيت تلك الحضارة؛ بدون معرفة للموقف الشرعي الصحيح في التعامل مع معطيات الحضارة المادية المعاصرة: وهو أنه في الوقت الذي نأخذ منهم ما ينفع المسلمين؛ ونترك سلبياتهم المشينة -كأسلوب حياتهم الذي استحلوا فيه كافة المحرمات الشرعية- فإن علينا كذلك دعوتهم إلى الإسلام؛ وترك الشرك والكفر والضلال .. ولا شك أن هذا الموقف الحق في التعامل معهم؛ يدل على انتفاء انبهار المسلم بهم !!

وقد جاءت الآيات صريحة بالنهي عن الاغترار بما لدى الكفار من تقدم في دنياهم، قال تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ • مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: ١٩٦-١٩٧]، فلا شيء أخزى من جهنم مصيرا لهم !!

بل قد أكد القرآن الكريم أنه لولا كراهة أن يُفتن المؤمنون؛ بما يعطي الله تعالى الكافرين من متاع الدنيا -فيكفروا مثلهم؛ ويكون الناس بسبب ذلك جماعة واحدة على الكفر- لزاد الله تعالى الكافرين في تقدمهم المادي؛ حتى تصير مادة بناء بيوتهم ذهبا وفضة، قال تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ • وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ • وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٣٣-٣٥] .. نعم هذه هي الحقيقة: متاع الحياة الدنيا الزائل شيء؛ والآخرة -دار الخلود- شيء آخر، ولا يعطي الله تعالى الآخرة إلا للمتقين !!

الوقفة الثانية:

الموسوعية العلمية هي صفة من صفات العلماء الراسخين في العلم -الإمام ابن باز -رحمه الله- مثالا-، ذلك أن القرآن الكريم تبيان لكل شيء، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩] !!

وكيف لا يكون الراسخ في العلم الشرعي موسوعة علمية؛ وقد تناول الكتاب العزيز؛ وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم كل ما نسمع من مصطلحات للعلوم المختلفة في هذا العصر -غير أنها علوم جاءت بالحق من عند الله العليم الحكيم-: العبادات .. العلاقات الأسرية والشؤون التربوية .. تاريخ الأمم ورسلهم عليهم السلام .. السنن الإلهية .. الاقتصاد .. شؤون القضاء .. العقوبات كالحدود والقصاص .. علم الفرائض .. العلوم العسكرية ؟! كما ألمح القرآن الكريم إلى بعض علوم المادة كالمناخ؛ وكيف تتشكل السُّحُب .. علم الأجنة .. علوم المحيطات .. علوم خلق السماوات والأرض .. وغير ذلك مما حواه الكتاب الحكيم والسنة المطهرة من علوم .. فكيف بعلوم أخرى عظيمة صنّفها علماء الإسلام -ولا يعرفها غيرهم- كعلوم أصول الفقه، وعلوم مصطلح الحديث، وعلوم اللغة العربية، وغيرها من العلوم؟! فكيف والعلماء الراسخون في العلم يفنون أعمارهم في طلب العلم وتعليمه ؟!!

أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا في شهر رمضان المبارك -تدبرا وحفظا وعلما وعملا- علّ الله تعالى أن يمنّ علينا بالخيرية التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) [رواه البخاري (5027)] !!

اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحسن قيامه !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..