الحلقة الحادية عشرة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!
القرّاء الكرام .. سأتوقف مؤقتا عن الكتابة حول سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” .. وأستأنف الكتابة -بعون من الله- في سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية” التي تم -بتوفيق من الله وفضل- كتابة عشر حلقات منها خلال شهر رمضان للعامين الماضيين !!
حكى لنا القرآن قول أهل النار: {رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: ٦٣] !!
كلام الكفار وردودهم -دفاعا عن مواقفهم الباطلة التي اتخذوها في مواجهة الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم- لا يختلف عن كلام الأطفال وعبثهم ولهوهم؛ سواء كان كلامهم في هذه الدنيا؛ أو في الآخرة .. والآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال؛ تنقل لنا أحد هذه الأقوال الطفولية: {رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} .. هكذا يقولون بعبثية الأطفال؛ {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}؛ بلا منطق ولا حجة ولا برهان !!
إن كلام الكفار الضحل العقيم -كما سيأتي بيانه- هو من الموضوعات التي أبانها القرآن الكريم أوضح بيان؛ ويحتاج أن يعرفه المسلم في عصرنا، إذ لا يختلف منطق وحديث الكفار الأعوج الغبي الساذج -عن الإسلام؛ وعن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم- لا يختلف منطق الكفار على مر العصور .. وهو بلا شك من الموضوعات التي تدفع المسلم إلى الإقبال على حفظ وفهم كتاب الله تعالى !!
وفيما يلي أقف وقفتين فقط مع قولين ساقطين -من بين عشرات الأقوال الساقطة- لأهل الباطل؛ والرد عليهما من القرآن الكريم:
الوقفة الأولى:
حكى لنا القرآن قول كفار مكة: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١] !!
إن اقتراح كفار قريش فيمن يختاره الله تعالى كرسول من عنده للناس؛ هو عين كلام الأطفال حين يقولون عن شيء كبير لا صلة لهم به -كقيادة طائرة مثلا-: “أنا أعرف كيف أشغلها” !!
إن اختيار رسل الله تعالى -عليهم السلام- أمر جلل قد اختص الله تعالى به نفسه، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: ٧٥] !!
ولذلك جاء الرد القرآني الحاسم على تدخل قريش في أمر الرسالة، قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: ٣٢]؛ الرحمة في الآية هي النبوة؛ كما قال أهل التفسير .. فإذا كان أمر الغنى والفقر؛ والقوة والضعف؛ كل ذلك يقسمه الله تعالى بين الناس؛ فكيف بأمر الرسالة العظيم ؟!!
وقول كفار مكة العنصري الهزيل -{لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}- هو شبيه بالتصور العنصري الذي يحمله أرباب الحضارة المادية اليوم؛ الذين ورثوا من التوراة المحرفة البغض لإسماعيل عليه السلام؛ لأنه في نظرهم ابن الجارية هاجر؛ فاستكبروا لذلك عن اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من نسل إسماعيل، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وأُرسِلْتُ إلى الخَلقِ كافَّةً وخُتِم بي النَّبيُّونَ)[روا مسلم (523)] !!
الوقفة الثانية:
حكى لنا القرآن قول كفار مكة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦] !!
وهذا موقف طفولي آخر منهم، إذ الأطفال فقط هم من يشغبون على ما لا يفقهوه من كلام؛ فتراهم يرفعون أصواتهم مع صوت المتكلم؛ بدون فهم ولا إدراك !!
وبدلا من سماع كفار مكة للقرآن الكريم؛ والتفكر فيه -وهم أهل الفصاحة والشعر؛ والنوادي الثقافية كنادي عكاظ- لمعرفة هل هو حق؛ فيقبلون به؛ أو باطل فيرفضونه بالحجة والبرهان؛ إذ بهم قد اختاروا الشغب على القرآن؛ تماما كما يفعل الأطفال !!
وقد جاء الرد شديدا ومتوعدا لكفار مكة، قال تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت: ٢٧]، آلرد كان شديد ذلك أنهم -بالإضافة إلى جحدهم للحق، قال تعالى: {ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: ٢٨]- كانوا كذلك ينهون غيرهم عن الاستماع للقرآن الكريم حين قالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيه} !!
وقول كفار مكة الهزيل الواهي -{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}- هو نفس ما يفعله أرباب الحضارة المادية اليوم؛ عن طريق إعلامهم الخبيث؛ الذي يحارب الإسلام، غير أن لغوهم في القرآن الكريم لم تعرف له البشرية مثيلا -لا كما ولا كيفا- ولا يُعدُّ لغو كفار مكة بجانبه إلا نقطة في بحر !!
أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية من أوقاتنا في شهر رمضان المبارك -تدبرا وحفظا وعلما وعملا- علّ الله تعالى أن يمنّ علينا بالخيرية التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) [رواه البخاري (5027)] !!
اللهم بلغنا رمضان .. وأعنّا على حُسن صيامه وقيامه !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..