التأمل المفيد (٣٦٠)

الحلقة السادسة والأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: ٢٥] !!

محور ثالث من المحاور التي واجه بها القرآن الكريم فِرية أهل الكفر والضلال حين قالوا: القرآن الكريم أساطير الأولين .. جاء ذلك في تعقيب الله تعالى المباشر على تلك المقولة الخبيثة: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: ٢٦]، قال أهل التفسير: “وهؤلاء المشركون ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع إليه، ويبتعدون بأنفسهم عنه، وما يهلكون -بصدهم عن سبيل الله- إلا أنفسهم، وما يحسون أنهم يعملون لهلاكها” !!

حقا إن الكفار -في ماضي الزمان وحاضره- لا يعقلون ولا يفقهون، فما داموا يزعمون أن القرآن الكريم ما هو إلا خرافة؛ وما هو إلا أساطير الأولين؛ فلِم ينهون الناس عن اتّباعه ؟! فالخرافة وأساطير الأولين لا يعيرها الناس أي اهتمام؛ فضلا عن تبنيها .. لكن الحقيقة التي يخفونها: هي تيقنهم بأن القرآن الكريم هو الحق؛ وأن فيه الخير والفلاح، غير أن الكِبْر والظلم والاستعلاء أعماهم عن اتّباعه، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]، بل زادوا على عدم اتّباع هذا الحق الذي استيقنوه تنفير ونهي غيرهم عنه، قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: ٢٦] !!

عليه؛ أقول وبالله التوفيق:

هاتان صورتان فقط من صور التنفير والنهي عن الإسلام الكثيرة؛ التي يمارسها أهل الزيغ والضلال؛ دلت عليهما آيات الكتاب المبين:

الصورة الأولى:

قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا} [القصص: ٥٧] !!

التخويف من الإسلام: وهو أسلوب من أساليب التنفير؛ مرد عليه الضالون المكذبون -منذ القِدم؛ وحتى عصرنا هذا-، قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: ٥٧]، قال أهل التفسير: “وقال كفار “مكة”: إن نتبع الحق الذي جئتنا به، ونتبرأ من الأولياء والآلهة، نُتَخَطَّفْ من أرضنا بالقتل والأسر ونهب الأموال” .. وقد جاء الرد القرآني الحاسم عليهم في نفس الآية، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا} [القصص: ٥٧]، فالذي جعل لكم حرما آمنا قبل البعثة المحمدية -على نبيها الصلاة والسلام- فإنه سبحانه -ولا ريب- سيزيد من أمنكم بعد الاستسلام له؛ ولمنهجه القويم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢] !!

وأمّا أرباب الحضارة المادية في هذا العصر؛ فقد فاقوا الكفار الأوائل بمراحل في التخويف من الإسلام؛ من خلال إعلامهم -المرئي؛ والمسموع؛ والمقروء- والذي كان له أكبر الأثر في صد شعوبهم عن الدخول في الإسلام -إلا من رحم الله تعالى- ومن المؤكد أن القرّاء الكرام قد سمعوا مرارا وتكرارا مصطلح: (إسلام فوبيا)؛ ويعني التخويف من الإسلام؛ الذي شكّله إعلامهم البغيض في أذهان الشعوب !!

الصورة الثانية:

قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: ١١] !!

ادعاء الإحاطة العلمية بما هو أخير وأصلح للناس: وهو ديدن الكفار -قديما وفي هذا العصر-، وهو قول كفار قريش؛ الذي حكاه القرآن الكريم -{لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}-؛ والذي ينم عن استعلاء بغيض، فهم بزعمهم أنهم أعلم الناس بالخير، وكذلك يعني -بالمفهوم المخالف للآية- أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا خير فيه -زعموا-؛ مع أن واقعهم يعكس انتكاسة لا مثيل لها؛ بعبادة أصنام صماء صنعوها بأيديهم، وغير ذلك من الرذائل والموبقات !!

وأمّا أرباب الحضارة المادية في هذا العصر؛ فقد فاقوا الكفار الأوائل بمراحل في ادعائهم الإحاطة العلمية بما هو خير وأصلح للبشرية؛ إذ جاءوا بالعلمانية الخبيثة؛ لتصبح العلاقة مع الإله -في دينهم المحرّف- محصورة في الشعائر التعبدية المحضة، وأمّا تعاملاتهم واقتصادهم وسياستهم وحياتهم الاجتماعية فهم أعلم بما هو أصلح وأخير للبشرية -زعموا-، فشرّعوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله تعالى؛ متمثلين مقولة كفار قريش -{لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}- وما رؤيتهم حول الشذوذ؛ وأن بعض الناس مفطورون عليه؛ وحمايتهم له بقوة القانون؛ والسعي في نشره بين العالمين؛ إلا مثال صارخا على الانتكاسة التي أطبقت على جوانب حياتهم؛ فانزلقوا بذلك إلى الظلمات والدركات؛ وبات أفول حضارتهم مسألة وقت لا غير؛ ما لم يستسلموا لله رب العالمين !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان الله تعالى لنا فيه وسائل التخويف والتنفير التي يقوم بها أعداء الإسلام؛ لصد الناس عن الدخول في الإسلام !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..