التأمل المفيد (٣٥٨)

الحلقة الرابعة والأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: ٥] !!

لم يُروّج لعبارة أساطير الأولين الخبيثة -التي تصد الناس عن الدخول في الإسلام- كما رُوِّج لها في هذا العصر؛ الذي كثر فيه الفساد والمفسدون  .. وإذا كان كفار قريش قد قالوا عن القرآن الكريم -زورا وبهتانا- أساطير الأولين؛ فإن كفار هذا العصر قد ملأوا الفضاء الإلكتروني بالمادة المكتوبة؛ وبالصوت والصورة؛ لأساطير آلهة الإغريق والرومان والهندوس وغيرهم، حتى صارت هذه الأساطير محفورة في ذاكرة شعوب الحضارة المادية؛ منفرة إياهم من الدين عموما؛ ومن دين الإسلام على وجه الخصوص .. ويكفي تنفيرا ما تحمله كلمة أساطير -خرافة- من بُعد عن الحق واليقين !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

كيف واجه القرآن الكريم هذه الفرية الخبيثة -أساطير الأولين- حتى يتسنى لنا أن نقوم بدورنا في توعية شعوب الحضارة المادية بما وجه به القرآن؛ ليدركوا أنه كلام رب العالمين ؟

الجواب:

واجه القرآن الكريم تلك الفرية الخبيثة بمنهج رباني عظيم، سأتناول في هذا المقال أحد محاوره؛ وهو:

بيان أن الذي أنزل القرآن الكريم؛ هو من يعلم السر في السماوات والأرض سبحانه، قال تعالى: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: ٦]، عقبت هذه الآية الكريمة على مقولة الكفار الخبيثة؛ التي نقلها لنا القرآن في الآية التي قبلها؛ والتي هي موضع التأمل في هذا المقال !!

وقد استوقفتني كلمة {السِّرَّ} التي وردت في الآية: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فأقول وبالله التوفيق:

إن الأسرار التي يعلمها الله تعالى عن كل ما خلق -في سماواته وأرضه- وما يُصلِح هذه المخلوقات؛ وما يُفسِدها؛ لا يحصي عددها إلا الله، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧].. وقد أبان لنا سبحانه شيئا يسيرا من هذه الأسرار؛ فسعد المؤمنون بمعرفتها أيما سعادة؛ وخاب وخسر من تجاهلها؛ ممّن أعرض عن سماع القرآن الكريم بسبب تأثير تلك المقولة الخبيثة؛ بأن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين !!

وفيما يلي بعض من الأسرار التي بينها لنا ربنا تعالى؛ وسعدنا بها:

علّمنا ربنا تعالى سر سعادة الإنسان في هذه الدنيا؛ وفي الآخرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: ١٣] .. وهي سعادة تراها شعوب الحضارة المادية في وجوهنا نحن المسلمين؛ فضلا عن رؤيتها في عباداتنا وتعاملاتنا الصحيحة .. وقد رأتها هذه الأيام في وجوه أهل غزة الصابرين -رغم حرب الإبادة التي يواجهونها- وفي وجوه غيرهم من المسلمين الصادقين، ليصبح واقع المسلمين المُبهِر؛ شاهدا على أنه لم يكن نتاج أسطورة؛ ولكنه الأثر الإيجابي العظيم -لكلام من يعلم أسرار ما خلق في السماوات والأرض- على أقوال وأعمال المؤمنين -{أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}- فهلموا إلى القرآن -كلام الله الحق المبين- وخذوا ما حواه من أسرار عظيمة !!

ومن الأسرار التي علمنا إياها ربنا تعالى: القيم والأخلاق الصحيحة التي تنشر الأمن والسلام والطمأنينة في المجتمعات .. وقد سعدت مجتمعات المسلمين -ولا تزال- بهذا السر العظيم -محاسن الأخلاق- الذي باح به الوحي المطهر للمؤمنين؛ كالحث على الصدق مثلا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]، وغير ذلك من مكارم الأخلاق الكثيرة .. ونقول مرة أخرى لشعوب الحضارة المادية: إذا رأيتم واقع أخلاق المسلمين الراقي؛ فإنه شاهد على أنه لم يكن نتاج أسطورة؛ ولكنه الأثر الإيجابي العظيم -لكلام من يعلم أسرار ما خلق في السماوات والأرض- على أقوال وأعمال المؤمنين !!

ناهيك عن الأسرار العلمية المادية التي أودعها الله تعالى في هذا الكون؛ والتي ألمح إليها القرآن الكريم تلميحا -قبل ألف وأربعمائة عام؛ ولم يعرف الناس عن بعضها إلا في هذا العصر-، وذلك أن الإسلام شدد على أتباعه في أمر الاستقامة على شريعة الله، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: ١٨]؛ لأن فيها مصدر أمنهم وعزهم ورقيهم .. وأمّا الأسرار العلمية المادية فهي مجال للتنافس بين الناس، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: ١٥]، مع أن العلوم المادية لا تنضبط إلا بأطر إسلامية؛ تحفظها من الانزلاق نحو الفساد والاستكبار .. وفي هذا العصر اتضح لكل ذي بصيرة أن الحضارة المادية لمّا حصرت اهتمامها على العلوم المادية؛ وتمردت على الشريعة المنزلة ممّن يعلم السر في السماوات والأرض سبحانه؛ تخطفتها الشرور؛ وهوت بها إلى مجهول سحيق، قال تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ المنزل ممّن يعلم السر في السماوات والأرض سبحانه !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..