التأمل المفيد (٣٥٦)

الحلقة الثانية والأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: ٢١٠]، قال أهل التفسير: “ما ينتظر هؤلاء المعاندون الكافرون بعد قيام الأدلة البينة إلا أن يأتيهم الله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه في ظُلَل من السحاب يوم القيامة؛ ليفصل بينهم بالقضاء العادل، وأن تأتي الملائكة، وحينئذ يقضي الله تعالى فيهم قضاءه. وإليه وحده ترجع أمور الخلائق جميعها” !!

يالها من آية عظيمة؛ خاطبت الكفار المعاندين من قريش؛ حيث عجزوا -ومعهم كافة المشركين في كل زمن- من أن يستيقنوا معناها !!

وليس بعيدا عن كفار قريش؛ أرباب الحضارات المادية في عصرنا .. وانظر إلى حساباتهم تجاه أعدائهم، فإنه لو قيل لدول الغرب المادي: إن روسيا والصين وكوريا الشمالية؛ ومن لف لفهم أجمعوا على مواجهتكم في أي لحظة .. لحسبوا لذلك الأمر ألف حساب .. إذ الغرب المادي يعلم يقينا أن أعداءه حقيقة لا مراء فيها !!

وكذلك العكس صحيح؛ لو قيل ذلك في حق دول الشرق المادي !!

أمّا لو خوطبت كلتا الكتلتين الماديتين -الغربية والشرقية- بقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}؛ -وهم على حالهم وجهلهم المطبق بالله تعالى- لقالوا كما حكى لنا القرآن عن قول أمثالهم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: ٥] !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما سبب هذا التصور العقيم؛ والتعامل السقيم مع خالق الكون -رب العالمين- من قِبل كافة المشركين ؟

الجواب:

الأسباب متعددة، لكن من أعظمها سبب أزلي؛ قد التصق بالكفار على مدى تاريخ البشرية الطويل: وهو التدخل البشري في أمر الاعتقاد في الله تعالى: إمّا بتعمد اتخاذ أصنام صماء آلهة -تقربهم إلى الله تعالى زُلفى؛ زعموا-؛ أو التحريف المتعمد لكتب أنزلها الله تعالى -الإنجيل مثالا- ليبرزوا إله الحق سبحانه وفقا لتخيلاتهم الكاذبة .. وإمّا بإنكار وجود إله أصلا؛ كما قال فرعون الأثيم .. فأنى لأتباع مثل هذه التخرصات أن يهابوا الله تعالى؛ أو يُجِلُّوه أو يوقِّروه؛ كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه؛ إذا تلي عليهم قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}، إلا من شاء الله تعالى له الهداية.. ولتوضيح ذلك فإني أسوق مثالا واحدا فقط !!

النصارى:

تعمد المتنفذون من النصارى تصوير إلههم؛ إلها ضعيفا لا يقدر على شيء، فقد زعموا أن اليهود صلبوه -إله ويصلب ؟!- بل زعموا أن الإله يتعب ويرتاح، جاء في سفر الخروج (31 :17): “هُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلاَمَةٌ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ اسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ”، وقد نفى الله تعالى ذلك فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: ٣٨] !!

وحين كذّب النصارى الوحي المطهر، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران: ٧٠]؛ فقد فاتهم بذلك سماع وتلاوة خطاب خالق البشر -القرآن الكريم- والتعرف عليه سبحانه من خلال: أسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة !!

وللعلم؛ فإن أحدث تحريف في دين النصارى أجراه المتنفذون؛ هو موافقة بابا الكنيسة الكاثوليكية في روما: فرانسيس -يوم الثلاثاء، التاسع عشر من شهر ديسمبر الماضي- موافقته على مباركة الرهبان -في كنائسهم- لزواج المثليين (الشاذين جنسيا) !!

أمّا أهل الإسلام فقد سعدوا بمعرفة الإله الحق سبحانه من خلال: أسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة .. وأخذوا يتلون القرآن ويتدبرونه .. وأيقنوا من كتاب ربهم أن السماء ملك لله تعالى؛ وأن الأرض ملك لله تعالى؛ وأن العباد كلهم ملك تعالى، قال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: ٨٣] .. فلم يروا إلهاً يستحق العبادة سوى الله تعالى .. ولم يروا منهجا قويما لحياتهم يستحق الاتباع سوى منهج من يملكهم؛ العليم الحكيم -فلا وجود لمتنفذين في الإسلام؛ يتمردون على شرع الله تعالى؛ كما مر معنا في حال النصارى- ذلك أن الله تعالى إله في السماء وفي الأرض، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: ٨٤] !!

وعند تلاوة الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال -{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}- تجد أهل الإسلام يشفقون من أهوال يوم القيامة، خلافا لكافة المشركين !!

ووالله وتالله وبالله .. إن العبودية لله تعالى؛ لهي بحق الحياة الحقيقية التي يتنفس فيها الناس العدل الرباني في هذه الدنيا؛ وفيها الحرية الحقيقية التي يطمح إليها الأسوياء من الناس !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة- الذي عرفنا بربنا تعالى: أسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..