التأمل المفيد (٣٥٤)

الحلقة الأربعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ۖ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: ٨٧] !!

يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسير هذه الآية الكريمة: “أي اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك، فكل ما خالف ذلك فارفضه؛ من رياء؛ أو سمعة؛ أو موافقة أغراض أهل الباطل؛ فإن ذلك داع إلى الكون معهم؛ ومساعدتهم على أمرهم، ولهذا قال: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}؛ لا في شركهم؛ ولا في فروعه وشعبه؛ التي هي جميع المعاصي” [تفسير السعدي (625)] !!

وإذا كانت الدعوة إليه سبحانه بهذه المكانة العالية من الدين؛ حتى قال فيها سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣]، قال الحسن البصري في تفسيرها: “هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب الخلق إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، فهذا خليفة الله”[تفسير الطبري (21/469)] .. إذا كانت الدعوة بهذه المكانة؛ فدعونا نقف ثلاث وقفات فقط حول موضوع الدعوة إلى الله تعالى:

الوقفة الأولى: أهمية الدعوة:

لا يمكن لمسلم صادق؛ يرى ما آلت إليه حياة المليارات من الشعوب غير المسلمة -من انحطاط وانهيار- حتى صارت الحيوانات تفضُلُهُم، قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، ويرى كذلك بعض أبناء المسلمين تهاونوا حتى في أداء الصلاة، أقول لا يمكن لمسلم صادق يرى ذلك كله ثم يظن أن الدعوة لا تعنيه -وكأن صفة الرحمة في قلبه لا يندرج تحتها إخراج الناس من نار الجحيم إلى جنات النعيم، في الحديث فرح صلى الله عليه وسلم بدلالة غلام يهودي إلى الإسلام؛ فهداه الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: (الحمدُ للهِ الَّذي أنقَذه بي مِن النَّارِ)[صححه الألباني في صحيح أبي داود (3095)]- أو كأنه ممّن يقرأ القرآن -دون الوقوف عند معانيه؛ التي  استفاضت في الحديث عن دعوة الناس إلى الله تعالى-، فإذا كان الأمر كذلك؛ فحري بكل مسلم صادق أن يزدد في طريق الدعوة؛ إذا كان داعية .. وإن لم يكن كذلك فعليه أن يبادر بسلوك طريق الدعوة فيما تبقى له من العمر؛ راجيا من الله تعالى العفو عن التقصير؛ سائلا إياه الهداية والبصيرة في ذلك !!

وتتضاعف أهمية الدعوة إلى الله تعالى؛ إذا أدركنا ضخامة الجهود المبذولة من قِبل أعداء الملة والدين؛ من اليهود والنصارى وسائر المشركين -على مدار الساعة، قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: ٣٣]- لإضلالنا عن منهج رب العالمين !!

الوقفة الثانية: الاعتزاز بالدين سبب رئيس لتقوية باعث الدعوة في نفوس المؤمنين:

قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٣٩]، قالها سبحانه للمؤمنين -وهم في حالة الهزيمة المادية يوم أحد- ليعتزوا بإيمانهم حتى في أحلك الظروف، وليتذكروا أنهم قوم أعزّهم الله بالإسلام؛ ومهما ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله !!

ومن أعظم دوافع الاعتزاز بالدين: طلب العلم الشرعي، ومن أعظم دوافع طلب العلم الشرعي: هو الطموح إلى تلك المنزلة الرفيعة؛ التي قرن الله تعالى طلاب العلم الشرعي به سبحانه؛ وبملائكته الكرام؛ في الشهادة على أجَلَّ مشهود، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] !!

ومن المدهش في سيرة الكثير من علماء السلف؛ أن الله تعالى أشهرهم بألقاب تعكس الحِرف التي امتهنوها؛ لتيسير أمور حياتهم المادية؛ وحتى لا يحتاجوا إلى سؤال أحد في طلبهم للعلم الشرعي؛ الذي قدموه على كل أمر .. فهذا الآجُرّي: عالما يعمل في الآجر .. والزجّاج: نحويا يعمل في إصلاح الزجاج .. والبزّار: محدِّثا يعمل في بيع القماش .. وغيرهم كثير .. وقد جمع أحد الباحثين قرابة أربعمائة حِرفة ومهنة؛ منسوبة إلى علماء من علماء المسلمين في شتى الفنون في كتاب مستقل أسماه: “الطرفة فيمن نُسِب من العلماء إلى مهنة أو حِرفة” !!

كما أن التأمل في سير الأنبياء عليهم السلام -وعلى رأسهم سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم-؛ وسير الدعاة الصالحين؛ سبب رئيس لتقوية باعث الدعوة في نفوس المؤمنين !!

الوقفة الثالثة: كيف ندعو المسلمين؛ وغير المسلمين:

أمّا دعوة المسلمين: فهذه كلمات نافعة من العلامة ابن سعدي، قال: “ولا إحسان أعظم وأنفع من إحسان مَن يرشد النّاس لأمر دينهم؛ ويُعلمهم ما جهلوا؛ ويُنبههم لِما عنه غفلوا”[آداب المعلمين والمتعلمين (25)] !!

وأمّا غير المسلمين: فمن لم يكن لديه القدرة لدعوتهم؛ فقد يسر الله تعالى في هذا العصر جهات متخصصة في دعوة غير المسلمين؛ باللغات المختلفة؛ وفي تعليم المسلم الجديد .. وما على المسلم إلا التعرف عليها ودعمها، قال صلى الله عليه وسلم: (فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ)[متفق عليه] !!

 من هذه الجهات: الجمعية الأهلية للدعوة وتوعية الجاليات بالجبيل؛ وغيرها كثير !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الدعوة إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة- وأعزّنا به !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في المنتديات قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..