التأمل المفيد (٣٤٩)

الحلقة الخامسة والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] !!

لطالما بعثت آيات سورة التوبة عموما -والآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال خصوصا- في نفس كل مؤمن صادق حب معالي الأمور؛ وبغضت إليه سفسافها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، و يَكرَهُ سَفْسافَها) [صححه الألباني في صحيح الجامع (١٨٩٠)] !!

وقد أورد المفسرون أربعة عشر اسما لسورة التوبة: “براءة، والتوبة، والمقشقشة، والبحوث، والمنقرة، والمبعثرة، والمثيرة، والحافرة، والمخزية، والفاضحة، والمنكلة، والمشردة، والمدمدمة، وسورة العذاب” [تفسير أبي السعود (4/ 39)] !!

وكثير من معاني هذه الأسماء للسورة يتعلق بفضح النفاق والمنافقين .. ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في بيان كثرة حديث سورة التوبة عن المنافقين أنه قال: (التَّوْبَةُ هي الفَاضِحَةُ، ما زَالَتْ تَنْزِلُ: ومِنْهُمْ .. ومِنْهُمْ .. حتَّى ظَنُّوا أنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أحَدًا منهمْ إلَّا ذُكِرَ فِيهَا) [رواه البخاري (٤٨٨٢)] !!

وقد أحدث الحديث الطويل عن النفاق والمنافقين في سورة التوبة؛ خوفا في نفوس الصحابة -رضوان الله عليهم- من التقصير في خدمة هذا الدين؛ والدعوة إليه -{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}- هذا الخوف من التقصير جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وهو من هو في خدمة دين الله تعالى-  يسأل حذيفة بن اليمان -الذي أسرّ له صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين-: “يا حذيفة, ناشدتك بالله! هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟” قال: “لا, ولا أُزكي بعدكَ أحداً”[مدارج السالكين (٣٦٥/١)] .. يالله .. ما أعظمه من مستوى إيماني رفيع !!

وقعت غزوة تبوك؛ لمواجهة الروم -والروم كانت تمثل الحضارة المادية في العهد النبوي- وقعت في العام التاسع الهجري، وقد عقّبت سورة التوبة على كثير من أحداثها، إذ في هذه الغزوة تميزت الصفوف بين:

أكثرية مؤمنة صادقة؛ هم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- الذين لم يثنهم بُعد المسافة؛ ولا حر الصيف عن النفير إلى تبوك !!

قلة؛ هم المنافقون؛ استطالوا الطريق إلى تبوك؛ في تلك الرمضاء الحارقة من فصل الصيف، قال تعالى فيهم: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} [التوبة: ٤٢] !!

وثلاثة من الصحابة -رضوان الله عليهم- تخلفوا عن الخروج -ليس لعلة النفاق- فحزنوا حزنا شديدا على فعلهم؛ ثم تاب الله تعالى بعد ذلك عليهم من فوق سبع سماوات؛ لصدق توبتهم، قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: ١١٨] !!

ويستدير الزمان، ويعود الروم -الحضارة المادية الحالية- إلى غطرستهم وتجبرهم -خاصة المتنفذين منهم- كما كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم .. عادوا ليس لقتل المسلمين في غزة فقط .. بل منذ زمن وهم يلوحون للعالم -بالترغيب تارة؛ وبالترهيب تارة أخرى- بتبني ديمقراطيتهم البئيسة؛ وقيمهم المنحطة -شذوذ وحرية شخصية منفلتة؛ وعبادة للمادة- .. وهذا الانحطاط هو في الحقيقة ملتهم في هذا العصر؛ التي يريدون من المسلمين اتباعها؛ حتى يرضوا عنهم، وصدق الله القائل: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ} [البقرة: ١٢٠] !!

ولمواجهة هذه الحضارة المتغطرسة؛ وجهنا الله في سورة التوبة أن نكون من الصادقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] !!

وإن من أعظم الصدق الذي أكدت عليه سورة التوبة: البذل لنصرة دين الله تعالى؛ والدعوة إليه .. وقد جعل الله تعالى الإيمان الصادق به سبحانه؛ وباليوم الآخر أكبر دافع للبذل لهذا الدين العظيم، قال تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤٤] !!

والبذل لنصرة دين الله يكون ببذل كل ما يستطيع المسلم بذله -وفق ضوابط الشرع الحنيف- وفي عصرنا -الذي أصبح العالم فيه كالقرية؛ بسبب وسائل التواصل الحديثة- أجد أن: “الوقت” هو من أعظم ما ينبغي أن يبذله المسلم؛ فيما ينفع الإسلام والمسلمين -علم نافع؛ ودعوة صادقة جادة إلى الله تعالى، حيث أن المعركة معركة وعي؛ لدحض باطل ما تُصدِّره لنا الحضارة المادية- ولعلّ الله تعالى أن يتقبل منا هذا البذل؛ ونكون ممّن شملتهم الآية الكريمة؛ التي مدحت الأكثرية المؤمنة؛ الصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة تبوك؛ ومدحت كذلك من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠] !!

فالحمد لله على سماحة دين الإسلام؛ الذي هدانا الله تعالى به إلى معالي الأمور، وبغض إلينا سفسافها !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..