التأمل المفيد (٣٤٧)

الحلقة الثالثة والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: ١٣]، قال أهل التفسير: “إن القرآن لقول فصل بَيْنَ الحق والباطل” !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

من هم هؤلاء الذين يُعرَضُ عليهم القول الفصل من الله تعالى في كل أمر؛ يفرقون به بين الحق والباطل؛ ثم يُعرِضون عنه ؟!

الجواب:

أرباب الحضارة المادية يضربون المثل الأعلى في الإعراض عن الحق واتباع الباطل؛ بعد أن عطلوا قلوبهم عن فهم الحق؛ وآذانهم عن سماع الحق، قال تعالى: {{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤] !!

وما مماطلة أرباب الحضارة المادية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية؛ حتى ولو بالضغط على اليهود بقبول قرارات صدرت من هيئة الأمم المتحدة خلال العقود الماضية -مع أن اليهود في الحقيقة مغتصبين لأرض فلسطين- ما هذه المماطلة إلا مثال واحد فقط على عدم اتباع الحضارة المادية للحق؛ وتبنيها للباطل دائما !!

وعليه؛ فسوف أقف في هذا المقال مع حقيقة كُبرى من بين أكبر الحقائق التي فَصَلَ فيها القرآن الكريم -{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}- وبيّنها أيما بيان .. حقيقة تعد بوابة للمؤمنين بالله العظيم ومنهجه القويم؛ تفضي بهم إلى قبول الحق؛ ونبذ الباطل؛ في كافة الأمور .. كما أن عدم الإيمان بهذه الحقيقة يفتح الباب على مصراعيه لتبني الباطل؛ ونبذ الحق .. وهو تماما ما حصل لإنسان الحضارة المادية؛ الذي دمر نفسه؛ ومن ثم دمر مجتمعه؛ لمخالفته لمنهج الله تعالى واتباعه للباطل؛ ونبذه للحق في كافة الأمور !!

إن أعظم حق أعرضت عنه الحضارات المادية على مر تاريخ البشرية الطويل؛ هو ذلك الحق الذي أقسم الله تعالى -قبل ذِكرِه- بأحد عشر قسما في كتابه الكريم؛ لجلالة المقسوم عليه وعظمته، وهو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: ٩-١٠]، قال أهل التفسير: “قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي” !!

قال ابن عباس رضي الله عنهما -عن سورة الشمس-: “فيها أحد عشر قسماً” [تفسير الماوردي (6/ 284)] !!

فكيف تعاملت الحضارات المادية مع هذه الحقيقة الكُبرى -{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}-؛ منهج الله تعالى الذي يدفع إلى قبول الحق؛ ونبذ الباطل، ثم ما هو الباطل الذي استبدلت به هذا الحق العظيم ؟

أمّا كيف تعاملت الحضارة المادية مع هذه الحقيقة الكبرى -{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}- فإنها رفضت حتى سماعها؛ كما فعل الكفار قبلهم، قال تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت: ٤] !!

ثم استبدلوا هذه الحقيقة الكبرى -{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}- بباطل جد خطير؛ أسموه بالدراسات الإنسانية؛ ليرتقوا بالإنسان بدراساتهم -زعموا- إلى الأفضل !!

جاء في مقال بعنوان: (History and Branches of Anthropology) (تاريخ وأقسام الدراسات الإنسانية)؛ عن هدف الدراسات الإنسانية أنه: “دراسة أصل وتطور المجتمعات والثقافات البشرية” .. وتجاهلوا في تلك الدراسات -عمدا- الحق في تاريخ البشرية وثقافاتها؛ الذي بينه خالق البشر -منذ آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة- وأنه تاريخ تفاعل الأجيال عبر القرون مع وحي السماء -إمّا برفضه أو القبول- كما بين ذلك خالق البشرية: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: ٣٦] !!

وأضحت المجتمعات غير المؤمنة في دراساتهم الإنسانية حضارات؛ وليست ظلمات؛ كما وصفها الله؛ وهذا عين اتباع الباطل !!

ومن أشنع ما جاء في المقال الآنف الذكر؛ هو بيان هدف أحد أقسام الدراسات الإنسانية الأربعة؛ وهو قسم الأنثروبولوجيا البيولوجية؛ حيث جاء في المقال أنه: “لفهم كيفية تطور البشر من أشكال الحياة السابقة؛ يدرس بعض علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية الرئيسيات، مثل القرود .. والقرود تعتبر الرئيسيات؛ أقرب أقربائنا الأحياء .. إن تحليل أوجه التشابه والاختلاف بين البشر و”القردة العليا” يساعد علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية على فهم التطور البشري” !!

تركوا الحق الذي بينه الله عن خلقه للإنسان في أحسن صورة، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]، وراحوا يبحثون عن كيفية تطور خِلقة القرود؛ ليدركوا منها -زعموا- كيف تطورت خِلقة الإنسان، مع أن كل مخلوق قد أحسن الله خِلقته منذ خلقه؛ ولا يحتاج إلى أن يطوره سبحانه، قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: ٧]، وإنما الذي يحتاج إلى تطوير ما يصنع؛ هو الإنسان !!

وبعد هذا البيان، فلا غرابة إذن من عدم اتباع الحضارة المادية للحق؛ وتبنيها للباطل؛ إزاء قضايا المسلمين؛ وعلى رأسها قضية فلسطين !!

فالحمدلله على سماحة دين الإسلام؛ الذي حذرنا من مناهج البشر المختلفة لتزكية النفوس؛ وهدانا لمنهجه القويم؛ مبينا لنا فيه الحق من الباطل في كافة الأمور، قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣] !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..