الحلقة الثانية والثلاثون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠] !!
إن ممّا ينبغي على المسلمين القيام به دائما -وعند الأزمات على وجه الخصوص؛ كأزمة فلسطين الحالية- التذكير بخيرية الأمة المسلمة التي وصفها الله تعالى بها -في الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال- والتي فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنَّكم تُتمُّونَ سَبعينَ أمَّةً، أنتُمْ خَيرُها وأَكْرمُها علَى اللَّهِ) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (٢٣٠١)] !!
إن أمة الإسلام هي خير أمة أُخرِجت للناس على الدوام .. كانت خير أمة أُخرِجت للناس في مكة حال الضعف؛ وفي المدينة بعد التمكين .. وكانت خير أمة أُخرِجت للناس لما فتح الله تعالى لهم الدولتين العظميين آنذاك؛ فارس والروم .. وهي كذلك خير أمة أُخرِجت للناس حتى حين تُبتلى وتضعف، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ١٥٥] .. وستظل خير أمة أُخرِجت للناس إلى قيام الساعة !!
والمتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم عن خيرية أمة الإسلام؛ (إنَّكم تُتمُّونَ سَبعينَ أمَّةً، أنتُمْ خَيرُها وأَكْرمُها علَى اللَّهِ)؛ يدرك أن قوله صلى الله عليه وسلم: (خَيرُها وأَكْرمُها): أي الأمم السبعون كلها فيها خير، وهذا يدل على أن خيرية أمتنا علت على خيرية تسع وستين أمة موحدة لله تعالى .. فكيف عساه يكون علو خيريتها على الحضارات المادية؛ التي تمردت على خالقها؛ ونبذت نهجه القويم ؟! إنه لا مقارنة بينهما البتة؛ حتى في حال تفوّق الحضارة المادية في العدة والعتاد !!
هذا وإن من أعظم ما يُظهِر ويُبرِز خيرية أمتنا المسلمة؛ هو التفريق بينها وبين من وصفهم الله تعالى في كتابه بشرّ البرية .. ولعمري فإن التفريق بين خيرية أمة الإسلام وبين الانحرافات الكبرى للحضارة المادية؛ لهو هدي القرآن ونهجه، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: ٥٥]؛ حتى يفرح المؤمن ويعتز بهذا التفريق؛ ويعمل الأعمال الصالحة التي تمليه عليه هذه الخيرية !!
ولا ريب ولا شك أن أعظم انحراف وقعت فيه الحضارة المادية -بعد كفرها بالله العظيم- هو عدم الإيمان باليوم الآخر؛ فانتكست أيما انتكاس؛ حتى تسارعت علامات سقوطها وأفولها !!
قال تعالى معظما للدار الآخرة: {وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤] !!
ذلك أن الدار الآخرة هي الحق الذي يجب أن يضعه المؤمن نصب عينيه في كل زمان ومكان .. في الصباح والمساء .. في حال الصحة وعند المرض .. في اجتماعه مع الغير وعند الانفراد .. في حال حزنه وعند الانشراح !!
أمّا شعوب الحضارة المادية فإنهم في غفلة تامة عن اليوم الآخر، وصدق الله القائل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: ٧] !!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما سبب هذه الغفلة الكبيرة لدى شعوب الحضارة المادية عن اليوم الآخر ؟
الجواب:
إن ممّا صدّ المليارات من شعوب الحضارة المادية عن الإيمان الصحيح باليوم الآخر؛ هي تلك التعاليم الكنسية المحرفة؛ التي تدخلت فيما يخلق الله تعالى من مخلوقات؛ فجعلت البشر ملائكة يوم القيامة -جاء في إنجيل متى: “لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ” إنجيل متى (٢٢:٣٠)- .. وهذا صد عن سبيل الله عظيم، فمن عساه يُقبِل على الدخول في دين الإسلام إن كان قد تسرب إلى ذهنه -من عقائد النصارى المحرفة- أنه سيكون في الآخرة كالملائكة ؛ لا يأكل فيها؛ ولا يشرب؛ ولا يتزوج النساء؛ ولا غير ذلك من المتع الحسية والمعنوية؛ التي رغبنا الله فيها في جنات النعيم ؟!!
وبسبب هذا الانحراف الكبير نفرت شعوب الحضارة المادية من كل ما له علاقة بالدين؛ واتخذت الاقتصاد إلها من دون الله؛ وصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: (تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلة) [رواه البخاري (٢٨٨٧)] .. والمدهش في الحديث بيانه صلى الله عليه وسلم لخطر شهوة التفاخر بأنواع الملبوسات؛ فقال: (تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلة)؛ وهو ما نشاهده بشكل صارخ اليوم؛ لدى الحضارة المادية من التنافس المحموم في بيوتات الأزياء؛ لصناعة الملابس المثيرة والفاضحة؛ انسياقا وراء ما يمليه الشيطان من تبرج وسفور، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: ٢٧] .. بينت الآية الكريمة أن كشف العورات؛ بل والسوآت؛ هدف قديم عند الشيطان؛ بدأه مع الأبوين .. لكن الأبوين -عليهما السلام- كانا تقيين؛ إذ سارعا -في اللحظة التي بدت لهما سوآتهما- إلى تغطيتها من ورق الجنة .. أمّا شعوب الحضارة المادية فقد جعلوا التبرج والسفور -زعموا- تقدما وحضارة !!
فالحمدلله على سماحة دين الإسلام؛ الذي هدانا الله تعالى به للإيمان باليوم الآخر !!
اللهم حرر المسجد الأقصى .. اللهم احفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..