التأمل المفيد (٣٤٢)

الحلقة الثامنة والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: ٧١] !!

من سماحة دين الإسلام أن دلنا على أساليب عظيمة ومتنوعة؛ تعين المؤمن على أداء عبادة التفكُر؛ التي يزيد بها الإيمان ويقوى اليقين؛ والتي أمر الله بها في قوله تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١]؛ وغيرها من النصوص الشرعية !!

وقد ورد أحد أساليب عبادة التفكُر المتنوعة في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال -{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}- وهو أسلوب قرآني بديع؛ يسأل الإنسان فيه نفسه: ماذا لو فقدنا هذه النِعمة ؟! -والنِعم لا تُعد ولا تُحصى، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: ١٨]- ولا شك أن بعض هذه النِعم -كما سيأتي بيانه- فقْدُها تستحيل معه الحياة على وجه هذه الأرض !!

وقد اخترت أن أبدأ موضوع هذا المقال بسرد هذه القصة المؤثرة:

انهار رجل -يبلغ من العمر (٧٨) عاما- من شدة التعب؛ فنُقِل إلى مستشفى خاص بالرياض، وأعطي جرعة من الأكسجين لدعمه لمدة (٢٤) ساعة .. وبعد أن تحسنت حالته وسمحوا له بالخروج؛ سلمه الطبيب فاتورة العلاج البالغة (٦٠٠) ريال .. فلما رأى الفاتورة أخذ يجهش بالبكاء، فطلب منه الطبيب ألا يبكي بسبب الفاتورة، فأجاب الرجل: “أنا لا أبكي بسبب المبلغ الوارد في الفاتورة؛ فإني قادر على دفعه، لكنني أبكي لأن استخدام الأكسجين لمدة (٢٤) ساعة كلفني (٦٠٠) ريال، في حين أني استنشق الهواء النقي؛ الذي منّ الله به علينا منذ (٧٨) عاما، ولم أدفع أي شيء أبدا .. هل تعرف كم أدين له ؟” !!

عبادة التفكُر -بالأسلوب الذي جاء في الآية الكريمة: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}- تعيننا على تذكر نِعم الله تعالى علينا؛ حتى ونحن لا نعاني جوعا؛ أو عطشا؛ أو نقصا في الهواء؛ كما حصل لصاحب القصة !!

وأنا لن أتكلم عن أثر فقد نِعمة الليل أو ضياء النهار على الإنسان .. فالله تعالى قد جعل من امتداد الليل أشهرًا كثيرة؛ وكذلك النهار؛ على سكان القطبين المتجمدين -والسكان فيهما قليل جدا- وما يعانونه من مشقة بسبب ذلك؛ جعله سبحانه تذكيرا حاضرا ومستمرا على نعمة تعاقب الليل والنهار يوميا على باقي سكان المعمورة !!

لكنني سأتكلم عن نِعم أخرى عظيمة؛ وفقدها أعظم !!

لقد بات من المعلوم للناس عموما أن أهم أرزاق السماء والأرض على الإطلاق؛ وأعظمها ضرورة لحياة الإنسان ثلاثة: الماء والهواء والغذاء .. وأضاف أهل الإسلام على هذه النِعم الثلاثة؛ نعمة رابعة كُبرى: القرآن العظيم !!

وقد تكفل الله تعالى بهذه النِعم الأربعة منه مباشرة -لأهميتها وضرورتها لحياة الناس- فجعلها سهلة المنال؛ مشاعة بينهم، ولم يجعل إيجادها منوطا بالبشر .. فهو سبحانه من أنزل القرآن وحياً على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ووعد بحفظه ..  وخلق الماء وأنزله .. وخلق الزرع وأنبته .. وخلق الهواء ولطّفه !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما هو الأخطر من بين هذه النِعم الأربع -الهواء، والماء، والغذاء، والقرآن الكريم- على حياة الإنسان؛ في حال فقده ؟!

الجواب: القرآن الكريم بلا ريب !!

ذلك أن من انتهى أجله في هذه الدنيا لانقطاع الهواء عنه أو الماء أو الغذاء؛ وهو منقطع عن القرآن -كالكفار والعياذ بالله- يكون مصيره إلى النار .. أمّا من مات من المسلمين؛ لانقطاع الهواء عنه أو الماء أو الغذاء؛ فإنه قد يموت شهيدا؛ مادام لم يتعمد ذلك كالمنتحر !!

 فكيف تنبه أساتذة الطب في دول الحضارة المادية لخطر انقطاع الماء والهواء والغذاء عن الإنسان -وهو أمر معلوم لكل الناس- وغفِلوا -أو بالأصح تغافلوا- عن خطر موت القلب بانقطاعه عن كلام خالقه ؟!! وهم يَرَوْن الكوارث الأخلاقية نتيجة استباحة المحرمات؛ والكوارث الاقتصادية التي أفقرت شعوب الأرض؛ وغيرها من الكوارث التي لا سبب لها إلا موت قلوب أصحابها؛ لانقطاعهم عن القرآن العظيم .. والناس -بنص القرآن- يُعدون موتى؛ ما لم يحيوا بالقرآن، قال تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: ١٢٢] !!

ولو تتبعنا آي الكتاب الكريم للبحث عن نِعم أخرى؛ ممّا يُعد فقْدها خطرا وبلاء على حياة الناس؛ لوجدناها كثيرة -وبنفس أسلوب التفكُر الذي جاء في الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال-، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر؛ نعمة السمع والبصر والفؤاد:

قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: ٤٦]، قوله تعالى في الآية: {مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ}؛ يعني: أيُّ إله غير الله جل وعلا يقدر على ردِّ سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ؟!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!