الحلقة السابعة والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] !!
في عصر الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence)؛ العصر الذي ظن فيه أرباب الحضارة المادية أنهم قد قدِروا -بسبب تقدمهم في علوم المادة- على كل شيء في هذه الأرض، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} [يونس: ٢٤]؛ تأتي الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال؛ والتى تحدى الله تعالى بها قريشا -وقريش ما بلغت مثقال ذرة في علوم المادة ممّا يعلمه علماء هذا العصر- تأتي الآية نفسها لتتحدى علماء المادة؛ وعلماء الدراسات الإنسانية؛ في مشرق الأرض ومغربها؛ وشمالها وجنوبها؛ قائلة لهم: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] !!
وأجزم أن تحدي أرباب الحضارة المادية بالإتيان بمثل هذا القرآن؛ بات أمرا ضروريا للغاية؛ في عصر انهيار القيم الصحيحة؛ واندلاع الحروب الطاحنة بين البشر؛ واستعلاء بعضهم على بعض؛ علّهم يفيقوا على إثر هذا التحدي من سكرتهم الطويلة؛ ويفيئوا إلى ما جاء في كتاب الله تعالى من حق؛ هم من أحوج الناس إليه، قال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: ٦] !!
والتحدي بالإتيان بمثل هذا القرآن -وهو من سماحة الإسلام؛ في تنويع طرق الهداية للناس- كان يؤثر في قريش؛ فيُسلم منهم من شاء الله تعالى له أن يُسلم؛ ويستكبر آخرون مع اعترافهم بإعجاز القرآن .. هذا الوليد ابن المغيرة يقول حين سألته قريش عن القرآن -وقد سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم-: “وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى عليه”[دلائل النبوة للبيهقي (١٩٨/٢)]، ثم استكبر وقال عن القرآن ما حكاه القرآن لنا: {إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: ٢٤] !!
فما ينبغي لدعاة الإسلام في عصرنا؛ ترك الحديث عن هذا التحدي القرآني؛ عند دعوتهم غير المسلمين -فهو بلا شك من منهج الدعوة-، ونعلم يقينا أن الكثير من غير المسلمين لا يعرفون عن كتاب الله شيئا .. والتحدي يفعل في النفوس الأفاعيل؛ خاصة لو طُرِح في جميع منصات التواصل !!
لقد آن لأرباب الحضارة المادية أن يستمعوا إلى التحدي القرآني -{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}- وأن يصرفوا كل ما أوتوا من علوم وجهود -ومنها الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence)- لمواجهة هذا التحدي .. فإن أعلنوا عجزهم -ولا ريب أنهم عاجزون- فقد آن الأوان إذن:
ليعلموا من قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: ٦]؛ أنه لا حديث أعظم ولا أجل ولا أفضل من الحديث عن الله تعالى وآياته !!
آن الأوان ليتحدث العالم كله عن خلق الله تعالى لثلاثمائة وخمس وثمانين ألف نفس بشرية يوميا (٣٨٥٠٠٠)؛ أي بمعدل أربعة إلى خمسة أنفس في الثانية، وذلك حسب الإحصاءات المبثوثة على الشبكة .. ويسمعوا ما قاله تعالى عن خلق البشر: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ • أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: ٥٨-٥٩] .. كما آن الأوان أن يتذكروا -حين يتفاخرون بصناعة الروبوتات؛ التي لا تملك سمعا ولا أبصارا ولا أفئدة- يتذكروا أن خالق هذه الأعداد الكبيرة من البشر هو الله تعالى وحده !!
آن الأوان ليتحدث العالم كله عن تريليونات الأطنان من المحاصيل الزراعية المختلفة .. ويسمعوا ما قاله تعالى عن خلق الزرع: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ • أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٣-٦٤] .. كما آن الأوان أن يتذكروا -حين يتفاخرون بتصنيع شتى أنواع الأغذية من هذه المحاصيل- يتذكروا أن منبتها هو الله تعالى وحده !!
وبعد أن يسمع العالم كله -بسبب هذا التحدي القرآني- عن آيات الله سبحانه فيما يخلق -وهي كثيرة جدا- حينها يجب على الناس أن يدركوا: أن من يخلق هو من يأمر -فهو سبحانه له حق التشريع وحده لمنهج حياتهم على هذه الأرض-، قال تعالى: {ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٥٤]، بدلا من التفاخر بمناهج -شرقية أو غربية- وضعها البشر لحياتهم؛ ما زادتهم إلا خبالا؛ وجلبت لهم الويلات والطامات !!
كما يجب على غير المسلمين أن يدركوا -بسبب هذا التحدي القرآني- خطر عدم استسلامهم لله العظيم؛ ولآياته العِظام، وأن ذلك سيقودهم حتما إلى العذاب في الدنيا والآخرة؛ ما لم يتوبوا .. كما يجب عليهم أن يسمعوا هذه العاقبة المخيفة من كلام الله تعالى نفسه: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [آل عمران: ٥٦] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!