التأمل المفيد (٣٣٦)

الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

 قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦٨] !!

في سياق كلام ربنا سبحانه عن الحث على الإنفاق؛ في الآيات (٣٦١ – ٢٧٤) من سورة البقرة؛ استوقفتني الآية رقم (٢٦٨)؛ التي حملت الحل الأمثل للمشردين من أبناء الحضارة المادية !!

إن من أعظم الكذب والتدليس الذي يروج له أرباب الحضارة المادية وإعلامها: هو حصر المشردين لديهم على أولئك النفر الذين لا مأوى لهم ولا قرار؛ يبيتون في الشوارع؛ مفترشين الأرض وملتحفين السماء؛ لفقرهم؛ أو مرضهم؛ أو إدمانهم؛ أو غير ذلك من الأسباب؛ ويطلقون عليهم (Homeless) !!

بل قد يتساءل حتى بعض المثقفين من أبناء المسلمين: أما لدى أرباب الحضارة المادية – ذات الاقتصاديات الضخمة- ذرة من عقل؛ فيؤوا هؤلاء المشردين في الشوارع؛ ويسدوا حاجتهم وعوزهم من الطعام والشراب والكساء؛ حتى يُحسِّنوا صورة بلدانهم أمام العالمين ؟!!

لكن الحقيقة التي يجب أن يعلمها الناس جميعا: هي أن جميع أفراد الحضارة المادية -بسبب كفرهم بالله؛ ونبذهم شرعه القويم- يُعتبرون من المشردين؛ حتى لو عاشوا في القصور الفارهة، لأنه لا شرود أعظم من الشرود والفرار عن رب العالمين؛ الذي يدعوهم للفرار إليه؛ وليس عنه، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: ٥٠] !!

ثم تأتي الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا}؛ لترسم معلما واضحا في طريق رد مشردي الحضارة المادية إلى الجادة السوية -سواء من لا مأوى له؛ أو حتى سكان القصور-: بأن يؤمنوا بالله العظيم؛ ويتركوا الفواحش التي يأمر بها الشيطان، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} .. ثم ينفقوا في سبيل الله تعالى؛ حتى يمن الله عليهم بالمغفرة؛ ويغمر مجتمعاتهم بالتكافل والتعاون، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا} !!

وحتى يدرك القارئ الكريم أن جميع أفراد الحضارة المادية مشردون -حتى لو كانوا يقطنون القصور- فلابد من معرفة الأوصاف التي وصف الله تعالى بها المتمردين عليه من سائر الملل والنِحل، والتي تفوق بمراحل أوصاف حالة التشرد بدون مأوى؛ التي يريد المغرضون حصرها فيه .. فأقول وبالله التوفيق:

لقد وصف الله تعالى المتمردين عليه بأوصاف ترتجف منها النفوس؛ وتتقطع منها القلوب؛ ويصغر بجانبها أي وصف من أوصاف التشرد بدون مأوى؛ المعروفة لدى الناس اليوم، منها:

قال تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١]، لم يشبّه الله تعالى المتمردين عليه وعلى منهجه القويم -من أفراد الحضارة المادية- بالمشردين؛ بل شبههم بما هو أعظم من ذلك .. شبههم بالساقطين من ارتفاع شاهق؛ ليتمزقوا إربا إربا .. فياله من تشرد مُهلِك؛ لكل كافر ومشرك -في هذه الدنيا- حيث تتخطفهم الشياطين؛ وتصدهم عن صراط الله المستقيم !!

ومنها: العذاب الأليم في الدنيا والآخرة لمن استحل الفواحش -طاعة للشيطان الرجيم، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}- من العلاقات المحرمة؛ والشذوذ؛ وقتل الأجنة بالإجهاض، وهذا منتشر في بيوت الشاردين عن الله تعالى من أرباب الحضارة المادية؛ أكثر من انتشاره بين المشردين في الشوارع، إذ استحلال محرمات الله تعالى؛ ركيزة أساس في حياتهم الاجتماعية البئيسة، قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ • مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: ١١٦-١١٧] !!

وبناء على ما سبق فإننا نجد أن من يسكنون الدور والقصور -وليس المشردون في الشوارع؛ الذين لا مال لديهم- هم من يشردون من بيوتهم مساء؛ متنقلين بين حانات الخمور ليعودوا سكارى؛ ينشرون الرعب في مجتمعاتهم؛ إمّا بقيادتهم العربات وهم مخمورين؛ أو يلجأون إلى العنف في أسرهم المفككة، حتى أن البيت الواحد قد يتكون من أم عزباء؛ مع أولادها الذين أنجبتهم من علاقات محرمة متعددة .. بيوت كالقنابل الموقوتة !!    

أمّا الصور المؤلمة التي تتناقلها وسائل التواصل عن المشردين في شوارع الحضارة المادية؛ فهي لا تربو عن كونها أفظع الإفرازات المستمرة؛ من بيوت غير مطمئنة؛ تقذف بأبنائها إلى الشارع؛ بعنف لا يعرف الرحمة .. ولن يجد المشردون في الشوارع حلاََ عند شاردين عن الله تعالى مثلهم، فالشيطان يعد أغنياءهم الفقر؛ حتى يمسكوا عن الإنفاق، ويأمرهم بالفحشاء، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} !!

ولن تختفي ظاهرة التشرد في الشوارع في بلدان الحضارة المادية؛ حتى تختفي ظاهرة الشرود عن الله تعالى ومنهجه القويم؛ من قبلهم جميعا !!

ألا ما أعظم دين الحنيفية السمحة، ففي وقت المساء؛ الذي يتنقل فيه كثير من أفراد الحضارات المادية بين الخمارات؛ نجد أن المسلم يأوي إلى فراشه قائلا: (اللَّهمَّ إنِّي أسلَمْتُ نفسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضْتُ أمري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ منك إلَّا إليك)[متفق عليه]!!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!