التأمل المفيد (٣٣٢)

الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

 قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: ١٥١] !!

آية كريمة من آيات هذا الدين السمح -دين الحنيفية- رسمت للبشرية المنهج الصحيح لمواجهة الشرور والبلايا العِظام: وذلك باجتثاثها من الجذور؛ بالطرق الربانية الحكيمة !!

والذي دعاني لبيان سماحة الإسلام في هديه لمواجهة الشرور؛ هو الفشل الذريع؛ والتخبط المريع؛ الذي تسلكه الحضارة المادية في مواجهة هذه الشرور الخطيرة؛ باستخفاف واضح؛ وبأساليب تزيد من ضراوتها، بالرغم من ادعاء أرباب الحضارة المادية في وسائل إعلامهم؛ أنهم أعرف الناس بإيجاد الحلول الناجحة لجميع المشكلات !!

وقد سبقت قريش الحضارة المادية المعاصرة؛ في التخبط في مواجهة الشرور والبلايا العِظام؛ وعلى رأسها الشرك .. فبدلا من اجتثاثه من جذوره؛ والاستسلام لله رب العالمين؛ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: “تعبد آلهتنا سنة؛ اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة”؛ فنزلت سورة الكافرون، [تفسير الطبري (24/ 662)] !!

إن أول ما يعتني به منهج الإسلام في مواجهة الشرور والبلايا؛ هو تسميتها بأسمائها -شرك، عقوق الوالدين، قتل الأولاد، فواحش، قتل النفس بغير الحق- ذلك أن أعظم ما نخر في جسد الحضارات المادية؛ ليس فقط عدم اجتثاث الشرور من جذورها -كما سيأتي بيانه- بل قلبهم للحقائق؛ واستخفافهم بالشرور؛ حتى لم يعدوها من البلايا، قال تعالى: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: ٦٧] .. وقد غدا من صور استخفافهم بالشرك في هذا العصر؛ حرقهم للقرآن الكريم، في الوقت الذي لا يجرءون على الإنكار على الشاذين جنسيا؛ بسبب حريتهم الشخصية المزعومة !!

وفيما يلي مقارنة بين منهج الإسلام -في مواجهة عظائم الشرور والبلايا- وبين منهج الحضارة المادية المعاصرة، وسأقتصر على ذكر ثلاث منها:

أولا: الشرك بالله العظيم:

إن أكبر وأعظم الشرور والبلايا على الإطلاق؛ الشرك .. ولو يعلم أرباب الحضارة المادية ما يقود الشرك إليه من خسائر في هذه الدنيا -خسائر لا يمكن لبشر كائنا من كان أن يحصيها- ووصفها الله تعالى فقال: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١]؛ لو علموا فداحة الخسارة جراء شركهم لتنادوا إلى مواجهته بكل ما لديهم من إمكانات .. ولن يفلحوا إلا بالاستسلام لله رب العالمين !!

في منهج الإسلام لم يكتف المشرِّع سبحانه بالنهي عن الشرك الأكبر فقط؛ بل اجتثه من جذوره؛ فحرّم حتى الشرك الأصغر، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ) [رواه مسلم (٢٩٨٥)] !!

أمّا في ثقافة الحضارة المادية؛ فلم يعد الشرك الأكبر أعظم الشرور؛ بل صار هو البديل عن التوحيد .. فأنى لهم مواجهة هذا الشر العظيم؛ وهم يتبنونه ؟! وقد أدى ذلك إلى ما نراه من انهيار لمجتمعاتهم؛ وانحدار في القيم !!

ثانيا: عقوق الوالدين:

اجتث الإسلام كبيرة العقوق من جذورها؛ بأن نص حتى على ألا يتأفف المسلم من والديه؛ بعد أن قرن الإحسان لهما بعبادته سبحانه، قال تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: ٢٣] !!

أمّا في ثقافة الحضارة المادية؛ فلم يقف الجفاء بين كثير من الآباء والأمهات وبين أبنائهم؛ عند حد إخراج الوالدين من البيت؛ ووضعهمِ في دار العجزة !! بل تعدى ذلك إلى العنف .. في إحصائية لعام ٢٠١٧ من الميلاد: قُتِل (١٨٦) من الآباء؛ و (١٦٩) من الأمهات؛ على يد أبنائهم، وتسمى جريمة قتل الوالدين (parricide). [المرجع: Explanation of parricide and why kids kill parents] !!

ثالثا: الفواحش، من ذلك:

الزنا والشذوذ والمسكرات: لم يكتف الإسلام بتحريمها؛ وتشديد عقوبتها .. بل اجتثها من الجذور؛ وحذر حتى من الاقتراب منها !!

حرّم النظر إلى النساء الأجنبيات؛ وحرّم الخلوة بالأجنبية .. واجتث الشذوذ الجنسي من جذوره؛ بتحريم حتى التشبه بالجنس الآخر، في الحديث: (لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَال) [رواه البخاري (٥٨٨٥)] .. كما حرّم حتى القليل من الخمر !!

بينما الحضارة المادية لا تعد الفواحش -الزنا والشذوذ والمسكرات- شرا وبلية يجب مواجهتها؛ بل صارت حرية شخصية؛ لا شأن لأحد بها !!

ومن قبائحهم بشأن الخمر؛ أن سموه -مشروبا روحيا- وأباحوا شربه بنسبة لا تؤثر على قيادة السيارة -متجاهلين استحالة التحكم في شهوة الإنسان- ممّا أدى إلى وفاة (١٣٣٨٤) شخصا في عام ٢٠٢١ من الميلاد؛ بمعدل (٣٧ شخصا) يوميا -في أمريكا- جراء حوادث القيادة تحت تأثير الكحول. [المرجع: Alcohol’s Effects on Health] .. فضلا عمّا يسببه الخمر من أمراض للكبد؛ وما قد يقوم به المخمور من جرائم في المجتمع !!

فالحمد لله على نعمة الإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!