الحلقة السادسة عشرة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)]!!
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] !!
من سماحة الإسلام -دين الحنيفية- أن حرّم إهلاك النفس بالانتحار؛ وكذلك حرّم كل طريق يؤدي إليه؛ حيث القاعدة الشرعية قد نصت على أن: كل ما أدى إلى حرام فهو حرام !!
والذي دعاني للكتابة عن موضوع الانتحار هو افتقار الحضارة المادية إلى هدي الإسلام في تحريم إهلاك الإنسان لنفسه .. إذ كان من بين الأخبار التي تصدرت وسائل الإعلام الشهر الماضي؛ تلك النهاية المأساوية لخمسة أثرياء؛ على إثر مغامرتهم المتهورة؛ بالغوص في الغواصة الصغيرة (تيتان) (Taitan)؛ لعمق اثني عشر ألف وخمسمائة قدم؛ تحت ضغط يُقدّر بضِعف الضغط الجوي المعتاد بثلاثمائة وخمس وسبعين مرة -بُغية رؤية بقايا حُطام سفينة؛ تسمى التايتانك؛ غرقت قبل أكثر من قرن-، وبالرغم من ترديد عبارة(التعرض للموت)؛ ثلاث مرات على الورقة الأولى من أوراق (الإخلاء من المسؤولية) (waiver of liability) التي وقعها ركاب الغواصة؛ إلا أن ذلك لم يُثنِهم عن الإقدام على المغامرة [Waver for OceanGate’s Titan sub repeatedly warns of death] !!
وبسبب الحرية الشخصية -غير المنضبطة بمنهج الله تعالى- التي ضمنتها دساتير الحضارة المادية لأفرادها؛ فإن الصورة النمطية للانتحار التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم من اقترافها؛ بقتل نفسه بحديدة أو سُمّ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من قتَلَ نفسَهُ بحديدةٍ جاءَ يومَ القيامَةِ وحديدتُهُ في يدِه يتوجَّأُ بِها في بطنِهِ في نارِ جَهنَّمَ خَالدًا مخلَّدًا أبدًا، ومن قَتلَ نفسَه بسُمٍّ فَسمُّهُ في يدِه يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا) [متفق عليه]؛ تلك الصورة النمطية للانتحار قد تنوعت أسبابها ووسائلها المحرّمة في مجتمعاتهم؛ من ترفيهية؛ وطبية؛ وسياسية؛ وعقائدية؛ و غير ذلك من الطرق .. وفيما يلي بيان ذلك:
أولا:
المغامرات الترفيهية الخطِرة:
بالرغم من كثرة وسائل الترفيه المباحة والمأمونة؛ التي انتشرت في بلدان العالم؛ إلا أنه ظهرت لدى بعض الأفراد في مجتمعات الحضارة المادية؛ سلوكيات حب المغامرة الخطِرة؛ والتحدي -بدون مبرر معتبر شرعا- حتى لو أدت إلى هلاكه أو هلاك غيره !!
ولا يعنيني هنا سرد هذه المغامرات الترفيهية الخطِرة، إذ لا يحتاج من يرغب في معرفتها سوى كتابة جملة: “أخطر المغامرات في العالم” على قناة اليوتيوب؛ ليشاهدها؛ وليدرك حقيقة الحوادث الكارثية التي تنتج عنها؛ وما قصة مغامرة ركاب الغواصة (تيتان) عنا ببعيد !!
ثانيا:
الوسائل الطبية:
أدى عدم إيمان أرباب الحضارة المادية بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: ٣١]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]؛ وكذلك بسبب الحرية الفردية المزعومة؛ أدى كل ذلك إلى استخدام الطب في مجالات قتل النفس البشرية؛ من ذلك:
الإجهاض: وأشنعه نحر الجنين حيا بملقاط الطبيب !!
كذلك ما يسمى: “الموت الرحيم” (euthanasia)؛ وهو مساعدة الأطباء لمن يرغب الموت؛ بسبب مرض مزمن .. وهذا هو الانتحار من المنظور الإسلامي !!
ومن الفظائع في موضوع الموت الرحيم؛ أن الحكومة الكندية شرّعت قانونا -في شهر مايو من العام الحالي- بمساعدة من يرغب من المشردين (Homeless) بالموت الرحيم؛ في مراكز طبية -وكان الواجب على كندا علاجهم من الإدمان؛ أو تحسين أحوالهم المادية- مع أن نسبة الانتحار بالموت الرحيم أصلا مرتفعة لديهم؛ فقد انتحر في عام ٢٠٢١ من الميلاد (١٠٠٠٠ عشرة آلاف كندي) بما يسمى بالموت الرحيم [Hungry, Poor, and Disabled Canadians Now Seeking Assisted Suicide] !!
ثالثا:
النزاعات السياسية الباطلة، وهي قديمة في التاريخ البشري:
ولسائل أن يسأل: ما علاقة النزاعات السياسية الباطلة بموضوع الانتحار ؟
الجواب: إن أي طريق -لا يقره الشرع الحنيف؛ ويقود إلى إهلاك النفس- فهو صورة من صور الانتحار !!
وقد نهى الله تعالى بني إسرائيل من النزاعات السياسية الباطلة، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ • ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ٨٤-٨٥] .. إن النزاعات السياسية -خاصة التي لا يقرها الإسلام- تدفع إلى قتل الأنفس بغير حق؛ كما جاء في الآية الكريمة .. والتاريخ يزخر بالحروب الباطلة -كالحربين العالميتين- التي كان سببها النزاعات السياسية !!
رابعا:
العقائد الباطلة .. وقد جعلتها الأخيرة؛ لأنها من أقدم طُرُق إهلاك الأنفس التي عرفتها البشرية !!
كما تقرر معنا في النزاعات السياسية الباطلة: أن أي طريق لا يقره الشرع الحنيف؛ ويقود إلى إهلاك النفس فهو صورة من صور الانتحار؛ عليه نجزم نحن أهل الإسلام: بأن أهل المِلل والنِحل المنحرفة -من يهود ونصارى وبوذيين وغيرهم- يُقْدِمون على الانتحار الجماعي؛ بتبنيهم العقائد الباطلة، فقد بين القرآن الكريم أن عدم الإيمان يؤدي إلى الهلاك، قال تعالى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: ٦] !!
فأين تكون عقول أهل الملل المنحرفة حين يسلكون طريقا انتحاريا؛ بتكذيب الله تعالى؛ وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ؟!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!