الحلقة العاشرة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قدّم الإسلام -دين الحنيفية السمحة- منهجا ربانيا محكما حول موضوع من أهم موضوعات الحياة الدنيا وهو: التغيير نحو الأفضل، فالتغيير نحو الأفضل مطلب عميق في النفس البشرية؛ التي خلقها الله تعالى في أحسن تقويم، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]؛ وغرس في فطرتها الهمة والعمل، قال صلى الله عليه وسلم: (أصدقُ الأسماءِ: حارثٌ وَهمَّامٌ) [صححه ابن القيم في طريق الهجرتين (٩٥)] .. بل جعل من أعظم وأقوى دوافع التغيير نحو الأفضل؛ أن يتأهل الإنسان به إلى بلوغ منزلة العيش في جنات النعيم !!
ويقابل التغيير نحو الأفضل؛ الجمود والتشبث بالباطل -أيا كان مصدره-، فهذا ممّا يمقته الله، قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٢] !!
وقد بنى الإسلام منهجه في التغيير نحو الأفضل على ثلاثة أسس:
أولا: البدء بالنفس في التغيير نحو الأفضل، فلا ينتظر المسلم غيره حتى يتغير، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] !!
وقد كان أفقه الناس بهذا الأساس الأنبياء عليهم السلام .. فهذا شعيب أراد أن يُبين لقومه -حين دعاهم إلى الله تعالى- أهمية أن يغير الإنسان نفسه أولا .. حكى لنا القرآن الكريم قوله عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨]، والمعنى: “لن تجدوني أنهاكم عن أمر ثم أقع فيه وأعمله؛ بل سأكون أوّلكم وأسبقكم إلى طاعة الله تعالى” .. بدأ بنفسه عليه السلام !!
ولو قام كل مسلم بما أوجبه الله تعالى عليه؛ وترك ما نهى عنه؛ لتغيرت مجتمعات المسلمين نحو الأفضل في زمن قصير؛ ولغيروا معهم العالم؛ كما فعل المسلمون في صدر الإسلام .. وإن أجمل مثال على سرعة تغير الجموع المسلمة -إذا غير كل فرد نفسه- هو اصطفاف كل مسلم بنفسه في صلاة الجماعة؛ حتى لو كانوا بمئات الألوف -كما في المسجد الحرام- يحصل ذلك في لحظات يسيرة !!
ثانيا: التغيير نحو الأفضل يكون باتباع هدى الله تعالى، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} [طه: ١٢٣] !!
وهذا لا شك من سماحة دين الإسلام، حيث لم يكلفنا عناء البحث عن الهدى، إنما كلفنا بالأخذ ممّا أنزل الله تعالى من الوحي؛ لنرتقي به في تغيير أنفسنا !!
ولأهمية هذا الأساس؛ فإن القرآن يطرحه بأساليب كثيرة؛ منها: أن الله تعالى يطلب من المؤمنين أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام؛ عاملين بجميع أحكامه، ولا يتركوا منها شيئًا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: ٢٠٨] !!
ثالثا: تحمّل تبعات التغيير نحو الأفضل، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦] !!
إن مقاومة التغيير نحو الأفضل؛ أو الصراع بين الحق والباطل؛ أمر أزلي؛ وسنة أبدية؛ لم يخل زمان منه .. وخاصة مع من سماهم الله تعالى في كتابه -{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا}- وعليه فلابد إذن من الصبر والتقوى؛ لمواجهة الشيطان وجنده .. وقد كرر الله تعالى أمره للمؤمنين -{إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}- ثلاث مرات في سورة آل عمران؛ السورة التي حكت وقائع غزوة أحد؛ وما فيها من شدائد ومحن وتبعات !!
بل قد يقاوم التغيير أقرب الناس إلى المسلم -الزوج، أو الزوجة، أو الأولاد-، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: ١٤] !!
أخيرا: ملاحظة مهمة لابد من بيانها:
إن سماحة الإسلام في منهجه للتغيير نحو الأفضل لم تتجل فقط في بيان أسسه الثلاثة، بل تجلت كذلك في بيان ارتباط هذه الأسس بعضها ببعض .. وأنه لو أخل المسلم بأحد هذه الأسس فإن سنة التغيير لن تحدث -إلا أن يشاء الله تعالى-، ولزيادة التوضيح فهذه أمثلة لا يحدث فيها التغيير؛ لفقد أحد الأسس:
لو أن إنسانا يؤمن بأن هدى الله تعالى هو الهدى .. لكنه لم يبدأ بتغيير نفسه وفق هذا الهدى .. فإن التغيير لن يحصل .. وكذلك لا يوجد أي تبعات ليتحملها، حيث إنه لم يغير في نفسه أي شيء أصلا !!
وكذلك لو أن إنسانا يتبع هدى الله تعالى .. وبدأ بتغيير نفسه .. لكنه لا يقوى على تحمل التبعات .. فإن التغيير لن يحصل له، حيث إنه ضعيف؛ وسيترك التغيير مع أول انتقاد له من الذين لا يريدون له التغيير نحو الأفضل .. وهذا يُفضل في حقه التقليل من مخالطة الناس؛ لعدم صبره على أذاهم !!
وكذلك لو أن إنسانا يرغب بالبدء في تغيير نفسه؛ وهو قوي شديد يتحمل تبعات التغيير، غير أنه منبهر بما لدى الحضارة المادية من حريات -زعموا- مقلدا لأسلوب حياتهم .. فهذا سيتغير؛ ولكن إلى الأسوأ !!
ما أعظم تغيير النفس إلى الأفضل في ظل منهج الإسلام القويم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!