التأمل المفيد (٣٢١)

الحلقة السابعة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!

قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: ١٨]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

الفوضى في حياة الناس؛ وانعدام النظام؛ أمر بغيض يفضي إلى فقد الأمن؛ وهدم القيم؛ وتفشي كافة أنواع الرذائل في المجتمعات !!

وقد قضى الله -العليم الحكيم- وقدّر أن تعيش البشرية على هذه الأرض -منذ بداياتها- وفق منهج رباني حكيم؛ يسعدها في الدنيا والآخرة .. ليكون ذلك من أعظم سمات دين الحنيفية السمحة .. إذ لا يقبل الإسلام الفوضى في حياة الناس، على عكس ما يفتري الكذب بعض المؤرخين من غير المسلمين؛ بأن البشرية في عهدها الأول كانت متخلفة؛ حتى أسمو تلك الحقبة بالعصر الحجري، والحق أنه منذ إنزال الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام؛ وعدوهما -إبليس الرجيم- إلى الأرض؛ قد وعد سبحانه الأبوين بهدى يأتي من عنده، قال تعالى: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} [طه: ١٢٣]، كما أشارت الآية الكريمة إلى عداوة إبليس لآدم وحواء عليهما السلام على هذه الأرض !!

هذا وإن من أعظم ما اكتوت به الحضارات المادية خلال التاريخ؛ هو رفضها لصاحب الاستحقاق في التشريع -العليم الحكيم سبحانه- أن يشرِّع منهجا لحياتها، حيث نحت في ذلك مناح منها:

منحى سلكته قريش: وهو تعجبها من كون رسول الله تعالى -عليه الصلاة والسلام- من البشر .. وهي فرضية: ظاهرها الرضا بالرسول لو كان من غير البشر -كأن يكون ملكا من الملائكة- وباطنها الكفر ورفض الحق؛ دفاعا عن منهج حياتهم البئيس -من عبادة الأصنام؛ وتنوع البغاء؛ ووأد البنات؛ ومعاقرة الخمور- في محاولة شيطانية يائسة للإبقاء عليه .. ولذا جاء الرد الحاسم من الله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء: ٩٥]؛ داحضا حجتهم الواهية؛ مبينا أن الرسول لابد أن يكون من جنس المرسل إليهم !!

المنحى الثاني: منحى تسلكه معظم الحضارات المادية: قائدهم في ذلك قول فرعون الذي حكاه لنا القرآن الكريم: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٩]؛ يتمثل ذلك في الأنظمة والتشريعات التي يشرِّعها البشر بعضهم لبعض؛ لتكون منهج حياة لهم، قال تعالى؛ {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى: ٢١] !!

وقد رد الله تعالى على رافعي راية فرعون -{مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}- بآية تحتاج البشرية جمعاء إلى معرفة معناها -مسلمهم وكافرهم على السواء: المسلمون ليزدادوا إيمانا وتعظيما لخالقهم؛ والكفار ليعرفوا قدْرهم البئيس؛ وليقفوا عند حدهم؛ علهم ينتهون- قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: ٧١]؛ قال أهل التفسير: “ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن” .. وفي عصرنا رأينا وسمعنا عن ضخامة هذا الفساد العارم الذي يغشى مجتمعات الحضارة المادية؛ الذي يعود سببه إلى التمرد على منهج الحق سبحانه، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١] !!

هذا وإن من التناقض البين لدى غير المسلمين: أنهم في الوقت الذي أشبعوا فيه كتب الإدارة نُصحا لمن يرغب في النجاح في إدارة مؤسسته؛ بضرورة محاكاة الناجحين في إدارة مؤسساتهم؛ نجدهم يعموا أبصارهم ويصمّوا آذانهم عن نجاحات مجتمعات المسلمين؛ التي تنعم أُسرها بحياة آمنة مطمئنة -ولا شك أن الأُسر من أهم المؤسسات- في ظل منهج الله تعالى القويم، وإنه ليصدق فيهم قول الله تعالى فيمن يرد هدى الله تعالى؛ حتى لو علِم بأنه أهدى ممّا هو عليه: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: ٢٤] !!

وإني لأتساءل: متى ينتقل أرباب الحضارة المادية من الفرحة بالعلم المادي إلى الفرحة بعلم لا إله إلا الله .. محمد رسول الله .. صلى الله عليه وسلم أولا؛ ثم الاستعانة بالعلم المادي في تيسير أمور حياتهم ؟!!

كما أتمنى على أرباب الحضارة المادية الالتفات إلى فقه رجل من الأعراب؛ عن سماحة شريعة الإسلام -علهم يعقلون-، قيل لبعض الأعراب -وقد أسلم- ما الذي جعلك تصدق محمداً وتسلم به وأنت لم تره ؟ قال : “ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به. ولا أحل شيئا فقال العقل: ليته حرمه، ولا حرم شيئا فقال العقل: ليته أباحه” أورده الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [مدارج السالكين (٢٥٠/١)] !!

ويعود فقه الأعرابي السليم إلى إلمامه ببدهية أجلى وأوضح من الشمس في رابعة النهار -لا يغفل عنها إلا أصحاب الأهواء- وهي أن من يخلق الشيء أولى بإصلاح حاله؛ وتدبير أمره .. بدهية أوضحها القرآن الكريم في جزء من آية، قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤]، فالذي يخلق -سبحانه- هو من يأمر وينهى؛ ويضع منهج الحياة للناس !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!