الحلقة الثامنة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية”، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!
قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٩] !!
لحافظ القرآن -العامل به- مكانة عالية في الإسلام؛ في الدنيا والآخرة .. وسيكون حديثي عن مكانته في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنْهُ، وإِكرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (2199)] !!
يا لله .. إن من تعظيم الله تعالى؛ أن نُعظِّم ونوقر حامل القرآن الكريم !!
لكن لهذا التعظيم والتوقير لحامل القرآن الكريم أسباب؛ بينتها النصوص الشرعية؛ سأقتصر في هذا المقال على بيان واحد من أهم تلك الأسباب، فأقول وبالله التوفيق:
اختار الله تعالى حَمَلة كتابه -العاملين به- لمواجهة جميع تيارات الباطل؛ الجاحدة للحق الذي جاء به الوحي المطهر، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}، فدعونا نقف وقفة مهمة مع تيارات الباطل؛ المناهضة للقرآن الكريم:
إن جحود أهل الباطل للحق الذي جاء به القرآن الكريم قديم؛ قِدَم نزول الوحي، قال تعالى حاكيا عن كفار قريش قولهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦] !!
ولليهود اليد الطولى -خلال القرون- في جحود الحق الذي جاء به القرآن الكريم؛ وكتمه؛ أو تبديله، قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} [آل عمران: ٧٨] !!
وفي عصرنا جحد أهل الحضارة المادية الحق الذي جاء به القرآن الكريم؛ وابتدعوا لأنفسهم منهجا مُفرِطا في الجهالة والضلال -غايته النكوص عن اتباع الحق- حين ادّعوا أن كل أمر في حياة الناس يخضع لوجهتي نظر؛ أو كما يطلق عليه إعلامهم “الرأي والرأي الآخر” ثم يختار الفرد ما يحلو له من رأي .. وبعض القضايا يفصل فيها التصويت؛ لتفرض به الأغلبية رأيها؛ حتى لو كان خبيثا، قال تعالى: {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: ١٠٠] !!
وظاهرة “الرأي والرأي الآخر” وعدم الاهتمام بالبحث عن الحق؛ إنما يقصرونها على أمور الدين وما يتفرع عنه من تعاملات للأفراد والمجتمعات .. أمّا الأمور المادية فقد منعوا اختلاف الرأي فيها؛ لتحكم فيها النظريات العلمية؛ وليس التصويت !!
لقد حملت ظاهرة “الرأي والرأي الآخر” في طياتها من الشرور للبشرية ما أذاقها الويلات والحروب؛ وأنواع الجرائم التي لا تُعد ولا تحصى؛ واللوثات الفكرية المغايرة لفطرة الإنسان، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: ٢٥٧]، من تلكم الآراء:
الدين: بالرغم من تحريفه .. مهم عند بعض أرباب الحضارة المادية .. والبعض الآخر يرى أنه خرافة !!
الزواج: مهم عند البعض .. والبعض الآخر يراه مسؤولية؛ ينأى بنفسه عن حملها !!
الإجهاض وقتل الأجنة: تتبناه فئات كثيرة .. وترفضه فئات أخرى !!
وغير ذلك كثير من أمور الحياة، كل أمر يخضع لوجهتي نظر !!
أعود فأقول: اختار الله تعالى حَمَلة كتابه لمواجهة تلكم التيارات الباطلة الآنفة الذكر، بعد أن خصهم سبحانه بالتعظيم والتوقير في هذه الدنيا من قِبل عموم المسلمين؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي ذكرته في صدر هذا المقال، ليعلم أرباب الحضارة المادية ما لحَمَلة القرآن من هيبة وشأن في نفوس المسلمين .. إذ قد يثير ذلك في نفوس بعضهم الفضول لمعرفة أسباب هذه الهيبة؛ وأنه القرآن الكريم .. فيهدي الله تعالى منهم -من شاء سبحانه- إلى نور القرآن وهديه !!
ولزيادة تعظيم وتوقير حامل القرآن الكريم في نفوس المسلمين؛ فإن الله تعالى الذي قضى أن يعذب المكذبين بآياته؛ الجاحدين لوحيه؛ بحرق جلودهم في النار؛ ثم استبدالها بأخرى ليستمر العذاب الأليم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: ٥٦]؛ فإن الله تعالى قد حرّم جلود حَمَلة كتابه الكريم على النار -على عكس جلود الجاحدين للقرآن-، قال صلى الله عليه وسلم: (لو جُمِعَ القرآنُ في إِهابٍ، ما أحرقه اللهُ بالنَّارِ) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (5266)]، الإهاب هو الجلد .. قال الإمام أحمد رحمه الله في معنى الحديث: “من كان القرآنُ في قلبه لا تحرقُهُ نارُ جهنم”[المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 88)] !!
أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق بيانه: هو ضرورة تعظيم وتوقير حَمَلة كتاب الله تعالى -العاملين به- وتمكينهم من القيام بواجبهم العظيم في دلالة الناس على الحق الذي جاء به الوحي المطهر؛ ودحض الباطل وإزهاقه !!
أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية في أوقاتنا في هذا الشهر الفضيل -تدبرا وحفظا وعلما- حتى نحظى باختيار الله تعالى لنا لنكون من حَمَلة كتابه الكريم !!
اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحُسن قيامه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!