الحلقة السابعة من سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧] !!
القرّاء الكرام .. سأتوقف مؤقتا عن الكتابة حول سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” .. وسأستأنف الكتابة –بعون من الله تعالى– في سلسلة: “الدوافع الربانية في المنافسة على حفظ كلام خالق البرية” التي تم –بتوفيق من الله تعالى وفضل– كتابة ست حلقات منها خلال شهر رمضان الفائت، وها هي الحلقة السابعة بين أيديكم !!
قال الله تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩]، قال أهل التفسير: “كونوا حكماء فقهاء علماء بما كنتم تُعَلِّمونه غيركم من وحي الله تعالى، وبما تدرسونه منه حفظًا وعلمًا وفقهًا” !!
كيف لو جمع المسلم في شهر رمضان المبارك بين –خيرين– التلاوة وتدارس القرآن الكريم –تدبرا وحفظا وعلما– إذن لوافق بذلك مراد الله تعالى في قوله: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}؛ وكذلك لوافق مراد الله تعالى في قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥]؛ وازداد فرحا بهدي القرآن الذي: تلاه لسانه؛ ووعاه قلبه بتدبر آيات الكتاب الكريم؛ وتمثل به في سلوكه؛ متأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان خُلُقُه القرآن؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها ؟!!
فكيف إذا كان اهتمامنا بالقرآن الكريم –تدبرا وحفظا وعلما– يدفعنا لمراجعة ما نحفظ من القرآن الكريم –كله أو بعضه– في رمضان؛ تأسيا بسيد الأولين والآخرين –صلى الله عليه وسلم– في عرضِه للقرآن على جبريل عليه السلام في رمضان، قال ابن عباس رضي الله عنه: (وَكانَ جبريلُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ من شَهرِ رمضانَ فيدارسُهُ القرآنَ)[متفق عليه] ؟!!
فكيف إذا تاقت النفس المهتمة بالقرآن الكريم –تدبرا وحفظا وعلما– للارتفاع درجات عند الله تعالى؛ وعلمت أن الطريق لذلك إنما يكون بتعلم العلم الشرعي، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: ١١] ؟!!
فكيف إذا طارت النفس لهفة إلى أن يذكرها الله تعالى فيمن عنده؛ لاهتمامها بالقرآن الكريم –تدبرا وحفظا وعلما– قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ)[رواه مسلم (٢٦٩٩)]؛ مع تنزل الملائكة –عليهم السلام–؛ ونزول السكينة؛ وغشيان الرحمة ؟!!
أخيرا: إن الدرس العظيم المستفاد ممّا سبق بيانه: هو عناية القرآن الكريم والسنة المطهرة بالأمر الجلل؛ تدبر كتاب الله تعالى، فكيف إذا كان وقت هذا التدبر في شهر قد تنزل فيه القرآن؛ إذن لكان الأجر أعظم وأجزل ؟!!
ومن المهم بيانه عند الحديث عن تدبر كتاب الله تعالى: أن الله تعالى زاد على ترغيب أهل الإيمان فيه في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩]؛ بأن بين لهم بشاعة عدم التدبر؛ وأنها صفة للمنافقين، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢]، حيث كان سياق الآيات حديثا عن المنافقين .. بل زاد سبحانه وبين الطريقة التي ينبغي أن نقرأ بها كلامه –الترتيل– ليحصل التدبر، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤]، قال أهل التفسير: “واقرأ القرآن بتُؤَدَة وتمهُّلٍ مبيِّنًا الحروف والوقوف” !!
وكفى بالاهتمام بالقرآن الكريم –تدبرا وحفظا وعلما– أن يُمكِّن لصاحبه نيل أبواب الشرف الربانية العالية؛ التي جاءت على لسان الصادق المصدوق، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم ؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٤٣٢)]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرَأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها)[صححه الألباني في صحيح الجامع (٨١٢٢)] .. وهذه منازل تحتاج إلى همة عالية للاهتمام بكتاب الله تعالى؛ تدبرا وحفظا وعلما !!
أخي المسلم .. أختي المسلمة: لنكن حريصين على إعطاء كتاب الله تعالى الأولوية في أوقاتنا في هذا الشهر الفضيل –تدبرا وحفظا وعلما– كما علينا أن نستيقن –في نفس الوقت– أنه لولا رحمة الله تعالى بنا لما أقبلنا على حفظ كتابه الكريم؛ ولما اقتدينا بنهجه القويم، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص: ٨٦] !!
اللهم أعِنّا على حُسن صيام الشهر وحُسن قيامه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث –بعون الله تعالى وتوفيقه– في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!