التأمل المفيد (٣١٦)

الحلقة السادسة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ١٦١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

لسائل أن يسأل: ما أهم وأعظم ما تحتاجه البشرية -في مجال التربية والتعليم- حتى تحافظ على فطرتها -الحنيفية- التي خلق الله تعالى بني آدم عليها؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاءَ) [رواه مسلم (٢٨٦٥)] ؟!!

الجواب: قد بينه الله تعالى في الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ١٦١] !!

إن حاجة البشرية لمعرفة صراط الله المستقيم -الدين القيّم؛ ملة الحنيف إبراهيم عليه السلام-؛ بتعلم كلام الله تعالى؛ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: ٢]؛ لهو أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب !!

فإن أبى أحد من البشر تعلم كلام الله تعالى؛ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه سيكون عُرضة لإضلال الشياطين الذي حذر الله تعالى منه في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاءَ فاجتالتْهم الشياطينُ؛ فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم؛ وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانًا) [رواه مسلم (٢٨٦٥)] !!

ولأن خطر الشياطين على البشرية عظيم؛ فلابد أن نستيقن: أن الله تعالى الذي حذر من الشيطان وشره حتى في حال المنام -كما في توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم حول الرؤى والأحلام؛ وأن الرؤية من الله تعالى والحُلُم من الشيطان- لابد أن نستيقن: أنه سبحانه -وهو الحكيم العليم- لم يترك البشرية هَمَلا؛ بِلا هُدى؛ تتخبطها الشياطين حال يقظتها بعد المنام !!

إن تعلم صراط الله المستقيم؛ والثبات عليه؛ يُطهِّر الإنسان من أعظم الموبقات في هذه الدنيا؛ الشرك وسوء الخُلُق !!

أولا: التطهُر من الشرك:

وهو أصل أصيل في دين الله تعالى، قال تعالى حاكيا كلام لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، وفي الحديث أنكر صلى الله عليه وسلم على من قال له: “ما شاء الله وشئت”، وقال مُغضبا صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده) صححه الألباني [السلسلة الصحيحة 1/266] !!

يالله .. ما أقبح وأبشع الشرك؛ حين يبلغ الظن بإنسان؛ أن الله تعالى العظيم سبحانه؛ المحيي المميت؛ من له الأسماء الحسنى والصفات العُلى؛ لا يمكن عبادته ومناجاته والتقرب إليه إلا عن طريق إنسان مثله؛ أو عن طريق صنم؛ أو غيره من الأوثان !!

ثانيا: التطهُر من سوء الخُلُق:

وصف الله تعالى أفضل وأعظم من تمثل الإسلام -سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم- بأنه على خُلُق عظيم، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق)[صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٤٥)] .. سُئِلَتْ عائِشةُ -رضي الله عنها- عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقالَتْ: “كان خُلُقُه القُرآنَ” [صححه الألباني في صحيح الجامع (٤٨١١)]، وفي هذا بيان لعلو مكانة الأخلاق في الإسلام؛ وأن القرآن الكريم والأخلاق الرفيعة صِنوان لا يفترقان !!

وممّا يزيد المسلم فرحة بهدي ربه العظيم؛ وشرعه القويم -وما فيه من أحكام شملت كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان- أن يعلم أن أرباب الحضارة المادية -الذين تنكبوا لمنهج خالقهم العظيم- يستغرقون عشرات السنين في الدراسات والبحوث ليصلوا إلى جزئية من خُلُق سوي؛ قد أشبعه الإسلام بتوجيهات عظيمة وكثيرة .. في دراسة استغرقت من الزمن (٨٤) عاما؛ وشملت شرائح مختلفة من الناس؛ صرّح بها طبيب نفسي من جامعة هارفارد؛ صاحب كتاب (الحياة السعيدة): أن من أعظم أسباب السعادة؛ هي العلاقة الطيبة مع الآخرين [Harvard psychiatrist says this is the secret to happiness].. والأمر الكارثي في هذه الدراسة: هو أن القائمين عليها لا يعنيهم أمر الشرك بالله تعالى -المنغمسين فيه- والذي يُحرَمُ أهله بسببه من الحياة الطيبة في هذه الدنيا، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧]، إذ لابد لمن رغب السعادة والحياة الطيبة؛ من إيمان بالله العظيم؛ وعمل صالح يرضاه سبحانه !!

بل كيف يتجاهل هؤلاء -الباحثون عن أسباب سعادة الإنسان- أن العنف الأُسري في بلدان الحضارة المادية -أمريكا مثالا- قد بلغ بين عامي (٢٠١٤ – ٢٠١٩ من الميلاد): (٥٩،١٪؜) من مجموع عمليات إطلاق النار الجماعية الكثيرة فيها؛ [Injury Epidemiology] .. إذ ليس في أخلاقيات الحضارة المادية تحريم العلاقات المحرمة بين الجنسين؛ ولا تحريم الشذوذ؛ ولا الخمور؛ وغيرها من الموبقات؛ المسببة لشتى أنواع الجرائم والعنف؛ الجالبة لأسباب الشقاء والبلاء !!

إن الحضارة المادية لا تحتاج إلى باحثين يُنظِّرون لها -من خلال دراسات تستغرق عشرات السنين- طُرُق وسُبُل السعادة، إنما تحتاج إلى أن تستسلم لله تعالى؛ وتجعل أعظم ما تُدرِّسه لأبنائها منذ الصغر: كلام الله تعالى؛ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى يتطهر أبناؤها من الشرك وسوء الخُلُق ؟!!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!