الحلقة الخامسة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} [الرحمن: ٣١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
من صور الحنيفية السمحة: العلم الذي أحاطنا الله تعالى به من شتى المعارف المختلفة، من ذلك: معرفة من يعيش معنا على هذه الأرض؛ وكيف نتعامل معهم؛ كالجن الذين أشارت إليهم الآية التي هي موضع التأمل: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَان}، والثقلان هما الإنس والجن !!
وكم يشتد عجب المسلم من أرباب الحضارة المادية؛ الذين يُقْصُون من ثقافتهم هذا الخلْق العظيم -الجن-، حيث أكد القس رفعت فكري رئيس مجلس الحوار بالكنيسة الإنجيلية والأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط: “أن المسيحية لاتؤمن بالجن، ولا يوجد في الكتاب المقدس مصطلح ” الجن” بل ذُكِر في الكتاب المقدس؛ الشياطين” .. مع أن الشياطين لا يخرجون عن كونهم من مردة الإنس أو مردة الجن، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: ١١٢] ؟!!
أمّا عند أهل الإسلام؛ فإننا نؤمن بأن الجن خلق موجود، ومُكلف مثلنا نحن الإنس، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: ٢٩] !!
وقد جعل الله تعالى من خصائص الجن؛ رؤيتهم لنا دون أن نراهم، قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧] .. وحين عجزت الحضارة المادية بأقمارها الصناعية؛ وغيرها من أجهزة التجسس والمراقبة عن اقتفاء أثر الجن -ولن يستطيعوا- زاد إيمانهم بثقافتهم المسيحية؛ أن لا وجود لهذا الخلق العظيم !!
لكنني لا أشك لحظة واحدة أن كفرة الجن -حيث أن من الجن مؤمنون بالله واليوم الآخر- قد عاثوا في ديار الحضارة المادية فسادا -مع أن الأصل في أهل الحضارة المادية أنهم خُلِقوا حنفاء؛ كسائر البشر- حتى أوصلوهم إلى ما هم فيه من انحدار مخيف في باب الأخلاق والقيم، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاءَ فاجتالتْهم الشياطينُ؛ فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم؛ وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانًا) [رواه مسلم (٢٨٦٥)] !!
وإذا ما سردنا شيئا ممّا جاء في الوحيين من تفاصيل -عن خلْق الجن- فإننا سنقف على الواقع المرير الذي تعيشه مجتمعات؛ صار خلْق الجن في حسها أمرا لا يعنيهم البتة !!
مبدئيا نستطيع أن نقدِّر تعداد إبليس وحزبه على هذه الأرض بنحو ثمانية مليارات على أقل تقدير -وهو تعداد سكان الأرض اليوم- إذ لكل إنسان قرينه من الجن، قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ)[رواه مسلم (٢٨١٤)]!!
أمّا عداوة هؤلاء القرناء لبني آدم؛ فإن أقوى الناس صلة بالله تعالى -الأنبياء؛ أتباع الملة الحنيفية؛ عليهم الصلاة والسلام- لا يفتأون يذكرون خطرهم للناس، فقد حكى لنا القرآن الكريم قول موسى عليه السلام: {قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص: ١٥]، كما أقسم إبليس الرجيم بخالقه تعالى فقال: (وعزَّتِك لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم)[حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٦١٧)] .. إن ما يحمله بعض المتحاربين لبعض من حقد وحسد -كقتال الروس والأوكران هذه الأيام- لا يبلغ ولا ذرة من الحقد والحسد الذي يحمله إبليس وحزبه لبني آدم !!
وفي الوقت الذي لا يعير أرباب الحضارة المادية وزنا للجن -الذين يجرون من ابن آدم مجرى الدم، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم [متفق عليه]- نجد بعضهم يتحدث -في هذا العصر- عن أوهام الأطباق الطائرة، والأشباح، والغزو القادم من سكان كواكب في الفضاء .. فواعجبا !!
إن من أعظم ما نراه من انحطاط في بلدان الحضارة المادية هو: “التفكك الأسري” .. وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن اجتماع إبليس مع جنده؛ بخصوص أمر الأسرة فقال: (إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ)[رواه مسلم (٢٨١٣)] !!
يا لله .. هناك اجتماعات يعقدها إبليس مع جنده منذ الأزل؛ ولأمر خطير للغاية: هدم الأسرة .. وإن من أكبر دلالات اختيار إبليس لهدم الأسرة؛ إصراره على هدفه الأكبر الذي سطره القرآن الكريم: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] .. فهدم الأُسر كفيل بإغواء الناس أجمعين !!
ودعونا -نحن أهل الإسلام- نعترف بتقصيرنا تجاه غير المسلمين؛ فأقول:
إن الضلال البعيد الذي أصاب مجتمعات الحضارة المادية؛ جراء كيد الشيطان لهم، قال تعالى؛ {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء: ٦٠]؛ هو بسبب:
أولا: ضعف شديد -لدينا- في دعوتهم إلى الإسلام -دين الحنيفية- الذي يجهلون عنه الشيء الكثير !!
ثانيا: عدم إبراز -رواد الفكر منا- الشيطان؛ كعدو أزلي للبشرية؛ في كتاباتهم عن الحضارات؛ ومقومات صعودها وأفولها !!
وبعد .. ألا يرى العالم سماحة الإسلام -دين الحنيفية- حين جعل مواجهة عدونا الأزلي -إبليس الرجيم؛ وحزبه الأثيم؛ وشرهم الجسيم- بترديد أذكار يسيرة في الصباح والمساء؛ يكفينا الله تعالى بها من الشرور ما الله به عليم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!