الحلقة الثالثة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: ٦٧]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
يطل على المسلمين ما بين فترة وأخرى دعاة على أبواب جهنم، قال صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه عن الفتن: (دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)[متفق عليه]، من ذلك دعاة يبشرون -زعموا- بدين جديد أسموه: الديانة الإبراهيمية .. يريدون من خلالها صهر اليهودية والمسيحية والإسلام -دين الحق- في بوتقة واحدة، وذلك بدعم نقاط الاشتراك بينها؛ وتنحية نقاط الاختلاف؛ حتى يعم السلام العالم كما يزعمون !!
والدعوة المزعومة إلى الديانة الإبراهيمية قديمة جدا، فقد جاء الرد عليها منذ ألف وأربعمائة عام، قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: ٦٧]، فإبراهيم عليه السلام كان حنيفا مسلما؛ ولم يكن من المشركين؛ سواء كانوا يهودا أو نصارى .. كذلك أوصى إبراهيم ويعقوب عليهما السلام أبناءهما بالثبات على الإسلام، قال تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] !!
إن مبتدعي الديانة الإبراهيمية يريدون تمييع قضية الإيمان بالله الواحد الأحد؛ وجعلها والشرك سواء .. فهل يستوي المؤمنون الموحدون -الحنفاء- والنصارى عُبّاد الصليب؛ أو اليهود عُبّاد عزير ؟!.. اللهم لا !!
أين هم من قول الله تعالى لنبيه نوح عليه السلام حين قال عن ابنه الكافر: {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: ٤٥]؛ فقال تعالى له: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: ٤٦]، ثم قال نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧] ؟! فليس في موضوع الإيمان والشرك واسطة ولا نسب !!
لقد جهل هؤلاء -مبتدعوا الديانة الإبراهيمية- أن من أعظم ما سد به الإسلام أبواب الشرك خلال تاريخ البشرية الطويل؛ بيان ما يعتقده الرسل عليهم السلام وأتباعهم من أركان ست للإيمان عظيمة .. وطالما اشترك الرسل عليهم السلام وأتباعهم في الإيمان بهذه الأركان؛ فمن أين سيلج الشرك إليهم ؟!
ليس ذلك فحسب؛ بل حث رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم المؤمنين على قراءة آخر آيتين من سورة البقرة -كل ليلة- لترسيخ الإيمان بهذه الأركان -التي يتساوى في الإيمان بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه-، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة : ٢٨٥] .. جاء في الآية الأولى تسمية أربعة من هذه الأركان؛ وفي آخرها الإيمان باليوم الآخر؛ عند التذكير بالمصير .. وتضمنت الآية الثانية الإيمان بالركن السادس؛ القدر خيره وشره. [كتاب تهذيب التفسير وتجريد التأويل] ..حث صلى الله عليه وسلم على قراءة هاتين الآيتين -كل ليلة- لتكفيه -صلى الله عليه وسلم- وتكفي المؤمنين من جميع الشرور؛ وعلى رأسها الشرك بالله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (الآيَتَانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)[متفق عليه] !!
بل جهل هؤلاء -مبتدعوا الديانة الإبراهيمية- أن مسألة الإيمان؛ وضده الشرك؛ قد حُسِم أمرها حتى قبل خروج البشر من أرحام أمهاتهم؛ حين استخرجهم سبحانه من ظهر أبيهم آدم عليه السلام، عَنْ أبي بن كعب فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ} [الأعراف : ١٧٢]، قَالَ : “جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَنْ تَقُولُوا : يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، إِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا : شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، ولا إِلهَ لَنَا غَيرُك، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ”[حسنه الألباني في هداية الرواة (١١٨)] !!
ألا ما أعظمه من عهد أخذه الله تعالى على جميع بني آدم .. والحمدلله الذي هدانا إليه باتباع الإسلام -دين الحنيفية- قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: ٥] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!