الحلقة الثانية من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!
قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٣]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
أوحى ربنا تبارك وتعالى إلى خليله محمد صلى الله عليه وسلم -سيد الأولين والآخرين- باتباع ملة الخليل إبراهيم عليه السلام .. وكان من أعظم ما وصف الله تعالى به خليله إبراهيم عليه السلام؛ أنه كان حنيفا؛ وما كان من المشركين، قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٠] !!
وبما أن سماحة الإسلام -دين الحنيفية- لا تقتصر على يسر أحكامه فقط، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]؛ فدعونا نقف وقفات مع القرآن الكريم؛ حتى نتعرف على أفدح وأعظم الخسائر التي يتعرض لها من أعرض عن دين الحنيفية؛ وصد عنه؛ وصار من المشركين .. وحتى يتبين لنا من هذه الوقفات؛ أن المسلم الحنيف لا يستوي أبدًا هو والمشرك؛ في هذه الحياة الدنيا !!
الوقفة الأولى: هل سمعنا ببشر يفقدون القلوب والأعين والآذان في هذه الدنيا ؟!
وكيف يعيش الإنسان أصلا بدون قلب ولا سمع ولا بصر ؟! إلا أن يعيش عيشة البهائم .. وهذا ما يقع للمشركين بالله في هذه الحياة الدنيا، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩]، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤] !!
فيالسماحة دين الحنيفية؛ حين حفظ على المؤمنين الموحدين الحنفاء قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم؛ وذلك ثمرة استجابتهم لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦] !!
الوقفة الثانية: بعد أن فقد المشركون قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم؛ صور لنا القرآن الكريم حالهم في هذه الدنيا تصويرا مخيفا يقطع القلوب، قال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١]، قال أهل التفسير: “فإنَّه من يشرك بالله شيئًا، فمثله -في بُعْده عن الهدى، وفي هلاكه وسقوطه من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر، وتخطُّف الشياطين له من كل جانب- كمثل مَن سقط من السماء: فإما أن تخطفه الطير فتقطع أعضاءه، وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح، فتقذفه في مكان بعيد” !!
فيالسماحة دين الحنيفية؛ حيث نفوس المؤمنين الموحدين الحنفاء -مطمئنة- لا تتخطفها الشياطين من كل جانب، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٣٨] !!
الوقفة الثالثة: بعد أن فقد المشركون القلوب والأبصار والأسماع في هذه الدنيا، وبعد تخطف الشياطين لهم من كل جانب؛ تبنوا منهج حياة يخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠] !!
فيالسماحة دين الحنيفية؛ حيث المؤمنون الموحدون الحنفاء؛ منقادون لمنهج الله تعالى -الإسلام- دين الحنيفية؛ الذي فطر الله تعالى الناس عليه، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: ٤٣] !!
الوقفة الرابعة: بعد فقد المشركين القلوب والأبصار والأسماع في هذه الدنيا؛ وبعد تخطف الشياطين لهم من كل جانب؛ وبعد أن تبنوا منهج حياة يخالف الفطرة؛ حلت بهم الفرقة؛ ودب فيهم الاختلاف، قال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ • مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم :٣١-٣٢] !!
فيالسماحة دين الحنيفية؛ حيث المؤمنون الموحدون الحنفاء؛ قد اعتصموا بحبل الله تعالى؛ ولم يتفرقوا، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣] !!
وإننا لنشهد بأعيننا في هذا العصر ما حل بمجتمعات الحضارة المادية من مآس وطامات؛ حين جرت عليهم سنة الله تعالى التي جرت على أمثالهم من المشركين من قبل؛ ففقدوا القلوب والأسماع والأبصار؛ وتخطفتهم الشياطين من كل جانب؛ وخالفوا منهج الحنيفية السمحة -الإسلام- الذي فطرهم الله عليه؛ وتفرقوا حتى على مستوى الأسرة الواحدة -مثال على ذلك: أقدم رجل من ولاية متشيغان في أمريكا يدعى إيغور لانيس (Igor Lanis) في ١١ سبتمبر عام ٢٠٢٢ من الميلاد على قتل زوجته؛ وإصابة ابنته بجروح خطيرة؛ على إثر نقاش سياسي حاد دار بينهم- ولم تتمكن جامعاتهم الكثيرة؛ ومراكز دراساتهم المتنوعة؛ وتقدمهم المادي الكبير؛ من تقديم حل لمآسيهم المجتمعية الكثيرة المتفاقمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!