التأمل المفيد (٣١١)

الحلقة الأولى من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” !!

 قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: ١٢٥]، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

كانت رغبتي أن أستكمل السلسلة الماضية بحلقة أو اثنتين حول ضرورة دعوة المسلمين أُسر الحضارة المادية إلى الإسلام، وذلك أن الدعوة إلى الله تعالى وظيفة كل مسلم، قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: ١٠٨]، ولن يثنينا عن تذكيرهم بالله تعالى كثرة إسرافهم على أنفسهم، قال تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ} [الزخرف: ٥] !!

ثم طرحت على نفسي سؤالا: ما الأمر العظيم الذي يجهلونه عن ديننا؛ وتسبب جهلهم به؛ في هذا الصدود الكبير عن دين الله تعالى ؟؟!!
وكان الجواب على هذا السؤال المهم؛ هو ما دفعني إلى بدء هذه السلسلة؛ التي أسأل الله تعالى أن يجعلها مباركة ونافعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه !!

فما الحنيفية التي خلق الله تعالى العباد عليها ؟!
قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاءَ فاجتالتْهم الشياطينُ؛ فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم؛ وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانًا) [رواه مسلم (٢٨٦٥)] .. الحنيف في اللغة: المائل .. خلقهم سبحانه حنفاء .. مائلين عن الباطل .. مائلين عن الشرك؛ مبتعدين عنه .. مائلين للحق فقط، قال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: ٣١] !!

وإن نفسي لتشدني شدا لزيادة توضيح معنى الحنيفية عن طريق سرد قصة وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -تصور لنا سماحة الإسلام- قال فيها صحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مُعاذًا يصَلِّي معك، ثمَّ يرجِعُ فيؤُمُّنا يا رَسولَ اللهِ، وإنَّما نحن أصحابُ نواضِحَ، ونعمَلُ بأيدينا، وإنَّه جاء يؤمُّنا فقرَأَ بسورةِ البقَرةِ! فقال: يا مُعاذُ، لا تكُنْ فتَّانًا؛ فإنَّه يصَلِّي وراءك الكبيرُ والضَّعيفُ وذو الحاجةِ والمسافِرُ!) [رواه أبو داود وصححه شعيب الأرناؤوط (٧٩١)] !!

ولن يكون تأملي في هذه الواقعة عن كراهية إطالة الإمام على الناس في الصلاة -مع علمي أن ذلك من سماحة الإسلام- لكن تأملي سيكون عن أمر آخر؛ أجلّ وأعظم !!

يا لله .. النبي صلى الله عليه وسلم حي بين ظهرانيهم .. ثم لا يجد نفر من الصحابة -رضوان الله عليهم- أي حرج في أنفسهم؛ بالصلاة في مسجد غير مسجده صلى الله عليه وسلم .. نعم .. لم يضطرهم الإسلام لترك أعمالهم ومصالحهم ليكونوا قُرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده .. فقد رسّخ صلى الله عليه وسلم في قلوبهم عبادة الله وحده؛ كما يفعل -بأبي هو وأمي- قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: ١١]؛ فصاروا -رضوان الله عليهم- من أعظم الحنفاء؛ الموحدين لله تعالى !!

وقد جعل الله تعالى العلم بالوحي المطهّر باب هذه الحنيفية السمحة، إذ نزل القرآن الكريم أول ما نزل باقرأ، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]، وكان الهدف الأكبر من بعثة جميع الرسل عليهم السلام؛ تعبيد الناس لرب العالمين، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦] !!

وبسبب رفض كثير من أرباب الحضارات المادية الوحي المطهّر؛ عَبَدَ البشر بعضُهم بعضا .. ونظرة إلى ما عليه دين النصارى -حتى ندرك سماحة ديننا العظيم؛ وبُعده عن الشرك- نجد أن عُبّاد الصليب؛ لم يكتفوا بالغلو في نبي الله عيسى عليه السلام؛ واتخاذه إلها يُعبد مع الله؛ بل نصّبوا رجال دين؛ بأسماء ورتب -كالأسقف والقسيس وغيرهم- يرسِّمهم بها كبيرهم -البابا- ويمنحهم -زعموا- صلاحيات إلهية؛ أسموها بالكهنوت، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١]، وابتدعوا ما يسمى بأسرار الكنيسة السبعة؛ التي يمارسها رجال الكهنوت في الكنيسة على عموم أتباعهم من النصارى .. من هذه الأسرار السبعة ما يسمى “الافخارستيا” أو سر الحياة .. وهي صلاة يؤديها الكاهن في الكنيسة؛ يقرأ فيها على رغيف من خبز؛ وكأس من خمر؛ ليستحيل هذا الخبز -زعموا- إلى جسد إلههم عيسى؛ والخمر دمه .. ثم يُطعِم الكاهن -بعد انتهاء الصلاة- الحضور من هذا الخبز وذلك الخمر -ويسمونه التناول- ليتباركوا بأكل جسد الإله؛ وشرب دمه -تعالى الله عمّا يقول ويفعل الكافرون علوا كبيرا- !!

وبالرغم من وجود هذه الطقوس التي ابتدعوها؛ والتي بغّضت لكثير من الناس -في مجتمعات الحضارة المادية- حتى التفكير في شيء اسمه دين، إلا أن التقارير تفيد بإسلام أفواج من النصارى -وغيرهم- ودخولهم في دين الحنيفية السمحة -الإسلام- دين الفطرة !!

ولذا ستكون مجالات سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية؛ -بإذن الله تعالى- هي موضوعات هذه السلسلة، فصور الحنيفية السمحة لا تنتهي بمقال، إذ هو بسط لمنهج حياة، حتى يعلم أرباب الحضارة المادية؛ السعادة والطمأنينة التي أرادها لهم خالقهم العظيم؛ حين يكونون حنفاء -مائلين عن الشرك؛ مبتعدين عنه- !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!