التأمل المفيد (٣٠٩)

الحلقة التاسعة والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: ١٦] !!

إن أخشى ما تخشاه الحضارات المادية على مر التاريخ؛ هي الخسائر الاقتصادية -حيث المادة، وليس العمل الصالح؛ هو همهم الأكبر-، وهو ما حصل لقبيلة سبأ التي رزقها الله تعالى بستانين؛ عن يمين وشمال، فأعرضوا عن أمر الله تعالى؛ وكذبوا رسله؛ فأرسل الله تعالى عليهم السيل الجارف الشديد الذي خرَّب السد وأغرق البساتين؛ كما بين الله تعالى ذلك في الآية التي هي موضع التأمل !!

وهذه النوازل الاقتصادية لا تقتصر على قبيلة سبأ؛ بل تنزل على كل جاحد لربه كفور، قال تعالى تعقيبا على ما نزل بقبيلة سبأ من عذاب: {ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: ١٧] !!

ولا تحل النازلة الاقتصادية بقوم إلا ويحل معها انفلات أمني؛ وحينها تقع القاصمة، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢] !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الخسائر الاقتصادية والانفلات الأمني؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أدركت من قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [ابراهيم: ٧]؛ أنه بالشكر تدوم النِعم؛ وبالجحود تزول، وصدق القائل: “النعم إذا شُكِرت قرت، وإذا كُفِرت فرت”، كما هنأت بالأمن والطمأنينة في معيشتها؛ وحِلِّها وترحالها !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإنه لم يتجل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ) [رواه البخاري (٢٨٨٧)]؛ في قوم كما تجلى في أرباب الحضارة المادية المعاصرة؛ التي عبدت الدولار؛ أو اليورو؛ أو الين .. وصار الحديث عن الاقتصاد -إله العصر- مقدما على كل أمر، بعد أن تمردوا على خالقهم العظيم ومنهجه القويم؛ فعاجلهم الله تعالى بالنوازل الاقتصادية؛ في صور مختلفة، أذكر منها صورتين:

الصورة الأولى: خسائر اقتصادية بسبب ما يسلطه الله تعالى عليهم من أعاصير؛ وزلازل؛ وفيضانات؛ وعواصف ثلجية؛ وغيرها !!

قد بات معلوما أن الحضارات المادية تسمي الأمور بغير مسمياتها، فالأرض المسخرة من الله تعالى لبني آدم، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} [الملك: ١٥]؛ أسموها: “الطبيعة الأم” (Mother Nature)؛ وكأن لها القدرة على الحركة بدون أمر ربها، والعذاب النازل من الله تعالى أسموه: “الكوارث الطبيعية” (Natural Disasters) !!

والمطلع على ثقافة أرباب الحضارة المادية المعاصرة تجاه ما أسموه -باطلا- بالكوارث الطبيعية؛ يجد أنهم لا يتفادوها بالرجوع إلى الله تعالى؛ واتباع هدي خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم؛ والتوبة من المعاصي والذنوب !! كلا .. بل تجدهم منكبين على تحسين إجراءاتهم المادية للتصدي -زعموا- لهذه الكوارث من أعاصير وزلازل وغيرها، وجهلوا أن عذاب الله تعالى لا يمنعه أو يخفف منه صلابة البُنى التحتية؛ أو التقنيات المتقدمة؛ كالتنبؤات الجوية، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: ٢٤] !!

لقد تعدت الخسائر الاقتصادية في أمريكا في عام ٢٠١٧ -جراء أعاصير مدمرة؛ كان أقواها: (إعصار هارفي وإيرما وماريا)- تعدت (٢٩٤) مليار دولار [ويكيبيديا].. وقبل أسابيع شلت عاصفة ثلجية الكثير من الولايات الأمريكية؛ بخسائر باهظة !!

الصورة الثانية: خسائر اقتصادية جراء الإنفاق الكبير على الحروب الظالمة !!

من صور الخسائر الاقتصادية للحضارات المادية: شن الحروب الظالمة؛ وما تتطلبه من نفقات باهظة، بغية الاستعلاء في الأرض؛ والسيطرة على العالم؛ وتوجيهه نحو الوجهة الفكرية المادية؛ وفكرها الآثم .. وما دروا أن هذا الإنفاق على الحروب الظالمة؛ يحمل في طياته أكبر كساد اقتصادي؛ تعقبه الحسرة والندامة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: ٣٦] .. بلغت الميزانية المرصودة للإنفاق العسكري لأمريكا لوحدها لعام ٢٠٢٣ (٧٧٣) مليار دولار [Military budget of the United States] !!

هذا وقد سبق الحديث عن الانفلات الأمني؛ وارتفاع الجريمة بأرقام فلكية -في دول الحضارة المادية- في كثير من الحلقات السابقة لهذه السلسلة، حتى قال قائل منهم: “إن الجريمة لدينا أصبحت كالوباء” .. ومن أحدث أخبار انفلات الأمن لديهم؛ وقوع حادثي قتل جماعي يوم السبت والاثنين الماضيين؛ في ولاية كاليفورنيا؛ نتج عنهما مقتل (١٠) أشخاص في الحادث الأول، ومقتل (٧) أشخاص في الحادث الثاني، وقد ناهز عمر المجرم الأول (٧٢) سنة، والمجرم في حادث يوم الاثنين (٦٧) سنة !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!