الحلقة الثامنة والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: ٢٣]، قال أهل التفسير: “وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له، والمتابعة لرسوله محمد، صلى الله عليه وسلم” !!
قد يتساءل بعض المسلمين: ما مصير ما تعمله الأُسر غير المسلمة -من أتباع الحضارة المادية المعاصرة- من مظاهر الخير والبر في هذه الدنيا ؟
الجواب من كلام ربنا سبحانه وتعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}؛ ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تعالى لا يِظْلِمُ المؤمِنَ حسَنَةً، يُعْطَى علَيْها في الدنيا ويثابُ عليها في الآخِرَةِ، وأمَّا الكافِرُ فيُطْعَمُ بِحَسَناتِهِ فِي الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرِةِ لم تكنَ لَهُ حسنةٌ يُعْطَى بِها خيرًا) [صححه الألباني في صحيح الجامع (١٨٥٣)]؛ وعليه فإن الكافر يأخذ نصيبه من الدنيا -شهرة ومكانة- غير أنه يخرج من الدنيا ولا حسنة له !!
إن الإيمان بالله تعالى؛ والإخلاص له، ومتابعة الرسل عليهم السلام -وخاصة متابعة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؛ حيث لا يُقبل من أحد عمل بعد مبعثه إلا باتباعه- ليُعّدُ أعظم فلاح ونجاح عرفته البشرية خلال تاريخها الطويل في هذه الدنيا، فضلا عن الفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة .. وما ترك أناس الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح إلا انتكسوا وخسروا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦٢] !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الإيمان بالله والعمل الصالح؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت من كلام ربها تعالى: أن البشرية عاشت أول عشرة قرون على هذه الأرض -بعد خروج آدم عليه السلام من الجنة- مقيمين على التوحيد؛ يعملون الصالحات، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: ٢١٣]، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.[تفسير الطبري (4/ 275)]، أدركت ذلك فسعدت بأنها على ذات الطريق الذي كانت عليه البشرية في العشرة القرون الأُول؛ وهو الذي لا يقبل الله تعالى طريقا غيره؛ الإسلام، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد عاث المؤرخون المفسدون في رؤوس كثير من أُسرهم فسادا؛ حين وصموا الإنسان -الذي كان على التوحيد خلال القرون الأُول- بالتغير !! فهو عندهم بدائي -بزعمهم- حين عاش في ما أسموه بالعصر الحجري، وعصريا كما يرونه اليوم؛ حتى لو كان من أكبر الملحدين .. ثم أدلى دارون في العقود المتأخرة بدلوه النتن؛ زاعما أن الإنسان يعود أصله إلى سلالة القرود -عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين- وتجاهلوا أن الله تعالى خلق الإنسان من سلالة من طين !!
وفيما يلي ثلاث صور للجهل المطبق الذي توصم به الحضارة المادية؛ والذي أبعدها عن الإيمان والعمل الصالح:
من ذلك: أنهم في خِضّم خوضهم في دنياهم بالباطل؛ وبعدهم كل البعد عن الدين؛ وعن الله تعالى الذي خلت قلوبهم من تعظيمه؛ نجدهم يجهلون أنهم لم يكونوا شيئا يُذكر، قال تعالى: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الانسان: ١]؛ وأن الله تعالى كان ولم يكن قبله شيء، قال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ) [رواه البخاري (٧٤١٨)] .. ألا ما أعظم المعرفة التي يعرفها المسلم عن ربه العلي العظيم، وما أتعس من غره جهله بالله العظيم حتى عصاه وجحده !!
كذلك من صور جهلهم: عدم إدراكهم بأن قلوبهم ميتة؛ وألا حياة لها إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى عن موت قلوب كفار قريش: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ} [النمل: ٨٠]، فيا أسفا على موت قلوب كفار هذا العصر؛ الذين يسارعون إلى التشافي من كل مرض عضوي؛ إلا قساوة قلوبهم فلا يلتفتون إليها، قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤] !!
كذلك يجهل أرباب الحضارة المادية -الذين يحسبون ألف حساب لما بعد التقاعد، ولا يحسبون أي حساب لما بعد تقاعدهم من هذه الحياة الدنيا- يجهلون أن الحكم عليهم قد صدر من الله تعالى؛ بتحريم دخولهم الجنة؛ وبخلودهم في النار؛ إلا أن يتوبوا إلى الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ} [المائدة: ٧٢]، وحُكْم الله تعالى لا يُبدل، قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق: ٢٩] !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!