التأمل المفيد (٣٠٥)

الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} [فاطر: ٣٩] !!

بعد أن أدركنا من كتاب ربنا تعالى -في الحلقة الماضية من هذه السلسلة- النهي عن الانبهار والاغترار بعمارة الأرض من قِبل أرباب الحضارات المادية؛ فإني سأبسط -بعون الله تعالى- في هذا المقال؛ موضوع الحكمة البالغة من ضرورة عدم مدح الكافرين على عمارتهم للأرض، وهي:

الحيلولة دون حدوث ضعف في استشعار ضخامة جريمة الكفر وشناعتها؛ في حس المسلم والكافر على السواء !!

 وكذلك حتى لا يزداد الكفار استعلاء على استعلائهم؛ بسبب مدح المسلمين لهم !!
قال تعالى مبينا استعلاء الكافرين: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: ١١]، فهم وحدهم أدرى بالأصلح -زعموا-، قائدهم في هذا الاستعلاء؛ إبليس الرجيم، قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: ٧٥] !!
وكذلك قائدهم في الاستعلاء فرعون؛ الذي حكى لنا القرآن الكريم قوله: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٩] !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الحكمة البالغة من مقت الله تعالى للكافرين؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: تعرفت على الله تعالى بأسمائه الحسنى؛ وصفاته العلا؛ وأفعاله الجليلة، قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} [طه: ٨]؛ فعظّمته حق التعظيم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها، وإن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود” [الصواعق المرسلة 1/150] !!

كما أدركت من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ • إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: ٦-٧]؛ أن الله تعالى قد حكم في الآية الأولى على غير المسلمين أنهم شر الخليقة؛ لكفرهم بالله العظيم؛ وتمردهم على منهجه القويم .. كما حكم سبحانه في الآية الثانية على المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنهم خير الخليقة؛ لإيمانهم بالله العظيم؛ واستقامتهم على منهجه القويم !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد جهلوا بالله تعالى؛ ولم يعرفوه سبحانه بأسمائه الحسنى؛ وصفاته العلا؛ وأفعاله الجليلة، فطفح إعلامهم بالكذب والافتراء على الله تعالى؛ كما فعل أسلافهم من قبل خلال تاريخ البشرية الطويل، وفيما يلي بعض أقوال وافتراءات الكافرين كما نقلها لنا القرآن الكريم:

كفروا وتبجحوا على الذات الإلهية؛ فقالوا: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: ٩٢]، ألا ما أكفرها من مقولة !! وكم أنتج أرباب الحضارة المادية في عصرنا من أفلام؛ مثلوا فيها دور الإله؛ تعالى الله عما يقوله ويفعله الكافرون علوا كبيرا ؟!!

كفروا وتبجحوا على كلام الله تعالى؛ وقالوا لو شئنا لقلنا مثله، قال الله تعالى عنهم: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ} [الأنفال: ٣١]، ألا ما أكفرها من مقولة !! وكم تجرأ أرباب الحضارة المادية في عصرنا على كتابة تشريعات من دون الله تعالى؛ حكموا بها أتباعهم؛ فضلوا وأضلوا ؟!!

كفروا وتبجحوا فظنت عاد أنها الأشد قوة على وجه الأرض، قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ} [فصلت: ١٥]، ألا ما أكفرها من مقولة !! وكم تتباهى قوى عظمى في هذا العصر بعتادها؛ حتى قالوا: لا يقدر علينا أحد ؟!!

كفروا وتبجحوا فادعى النصارى أن لله تعالى ولدا -تعالى الله عما يقوله الكافرون علوا كبيرا-، حكى القرآن لنا قولهم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا • لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا • تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٨٨-٩٠]، ألا ما أكفرها من مقولة !! وما أكثر ما يتباهى النصارى بعيد ميلاد ربهم -زعموا- في هذا العصر ؟!!

هكذا بين القرآن الكريم تبجح أصحاب الحضارات المادية على الله تعالى عبر التاريخ أوضح بيان؛ لتتجلى لنا الحكمة البالغة من ذم الله تعالى لعمارة الأرض من قِبل الكافرين، قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ • وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ • وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٢٨-١٣٠]، وهي الحيلولة دون حدوث ضعف في استشعار ضخامة جريمة الكفر وشناعتها في حس الناس أجمعين !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!