الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى-حاكيًا قول موسى عليه السلام لقومه-: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: ٦١] !!
نزلت الآية الكريمة في اليهود -وموسى عليه السلام بين ظهرانيهم- حين طلبوا الأدنى من المأكولات، زهدا منهم في ما اختاره الله تعالى لهم من الطعام الحلو؛ والطير الشهي؛ المن والسلوى !!
وبما أن العبرة في أسباب النزول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه:
بعد أن نفرت شعوب الحضارة المادية من دين خالق الأرض والسماوات -بفعل التشويه الذي ألصقه المنصرون بالدين؛ قديما وحديثا، كما تبين لنا من الحلقة الماضية من هذه السلسلة-: السؤال: ما الذي استبدله أرباب الحضارة المادية من منهج لحياتهم؛ بدلا عن الإقبال على دين الإسلام العظيم ؟
الجواب: كما استبدل اليهود في عهد موسى عليه السلام؛ الذي هو أدنى بالذي هو خير -وأمعنوا بعد ذلك في عصيانهم لله تعالى حتى: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]- كذلك فعل أرباب الحضارة المادية؛ حين استبدلوا منهج الله تعالى بمشروع الحداثة (MODERNIZATION) -وذلك إبان الثورة الصناعية، زاعمين بأن الحداثة ستنقلهم من الحياة الزراعية البسيطة إلى الصناعة ومن ثم الازدهار الاقتصادي- وحقيقة الأمر أن الحداثة ما هي إلا إمعان في البعد عن الله تعالى .. في مقال بعنوان: تحديات الحداثة (The Challenges of Modernity) جاء فيه “ربما كانت العلامة الأكبر للحداثة هي فقدان الإيمان بتدخل القوى الإلهية في الشؤون الأرضية .. اعتقدت جميع العصور قبل عصرنا أن نصف حياتنا على الأقل في أيدي الآلهة .. وضعنا طاقاتنا في فهم الأحداث الطبيعية من خلال العقل .. سيتم تحديد مستقبلنا في المختبرات، وليس المعابد” -تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا- ولذا صارت مجتمعاتهم مجتمعات علمانية؛ لا دينية، بسبب مشروع التنمية الذي أسموه “الحداثة”، والحداثة نظرية لها منظرون؛ ومراحل تمر بها؛ وتمس كل ما يصب في ثقافة الناس من أدب وفنون !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: يرحب أفراد الأُسر المسلمة بخطط التنمية الاقتصادية، لكنهم لا ينبذون دينهم لأجلها .. كذلك لم يُصدِّق عليهم إبليس ظنه -كما فعل بأرباب الحضارة المادية، حين نظروا إلى تغير بيئة الإنسان من زراعية إلى صناعية، أو العكس، فزين لهم أن الإنسان لابد أن يتغير في هذه البيئات المتغيرة- لم يُصدِّق إبليس ظنه على الأُسر المسلمة بذلك الزيف؛ بسبب إدراكهم من كلام ربهم تعالى أن الإنسان لا تتغير فطرته مع تعاقب القرون، فهو يولد اليوم؛ كما كان يولد في حقبة آدم عليه السلام؛ على الفطرة السوية !!
كذلك يتنوع أفراد الأُسر المسلمة في تخصصاتهم؛ فمنهم علماء الشريعة؛ ومنهم الأطباء والمهندسون والحرفيون -باختلاف حرفهم- كلهم يعلمون أن الخير كل الخير في طاعة الله تعالى؛ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الضلال كل الضلال في معصيتهما، فالله تعالى الذي بين أن صناعة الدروع للحروب باب من أبواب العمل الصالح، قال تعالى لداود عليه السلام: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبإ: ١١]؛ هو سبحانه من قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] !!
إن الوعود القرآنية التي وردت في كثير من آي الكتاب الكريم -كقوله تعالى: {لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}، وقوله تعالى: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، وقوله تعالى: {أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}- تستوعب كل المصطلحات التي يسمعها الناس في هذا العصر: كالاقتصاد والصحة والأمن والسيادة والاستقرار والنمو، وغيرها؛ ممّا أتعب وأعيا البشرية أن يحققوها بمنأى عن الانقياد لخالقهم -سبحانه- واتباع نهجه القويم !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد طاشت عقول كثير منهم فرحة؛ حينما رأوا ما فتح الله تعالى عليهم في باب العلوم المادية، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [غافر: ٨٣] .. وخاضوا في تحديث مجتمعاتهم بمشروعات تنمية -دليلهم فيها نظرية الحداثة- ذهب معها ما تبقى من القيم؛ التي لم تكن تستند على أساس راسخ من الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر؛ فتلاشت مع عواصف الحداثة العاتية !!
والذي يجب أن يدركه العالم كله أن وراء مشروع الحداثة يهود -سواء كانوا منظرين أو أصحاب المال-، فهذه عائلة روتشيلد اليهودية تتحكم في اقتصاديات العالم .. وصندوق النقد الدولي -الذي يتحكم فيه اليهود- يضع شروطه على الدول المحتاجة الفقيرة؛ ليمسها مشروع الحداثة -والأولى تسميته مشروع التغريب- وليغير من قيمها وثوابتها الدينية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهۚ} [الأنفال: ٣٦] !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!!