التأمل المفيد (٣٠١)

الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: ٥] !!

مر معنا في العشرين حلقة الماضية من هذه السلسلة؛ كمٌّ هائل من الطامات والانحرافات؛ التي وقعت فيها مجتمعات الحضارة المادية .. وبينت -بتوفيق الله تعالى- في كل حلقة من تلك الحلقات: أن تلك الطامات والويلات إنما كان سببها الأول والأخير تمردهم على خالقهم العلي العظيم .. كما صدّرت كل مقالة بآية قرآنية؛ إمّا تحض على منهج الله القويم؛ أو تحذر من مخالفته !!

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو أعظم مفهوم من مفاهيم دين الإسلام؛ الذي غفِل عنه أرباب الحضارة المادية -وهم السبّاقون إلى إنشاء مراكز الدراسات والبحوث- حتى نبذوا -بسبب تلك الغفلة- هدي السماء؛ دين الإسلام الذي جاء به كل الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ على امتداد تاريخ البشرية الطويل !!

الجواب: إن أعظم مفهوم غفِل عنه أرباب الحضارة المادية عن دين الإسلام -بسبب أفعال المتاجرين بالدين من القساوسة؛ كما سأبين ذلك في هذا المقال- هو مفهوم الحنيفية السمحة؛ التي ما أن يسمع بها شخص إلا استسلم لخالقه العظيم .. الحنيفية السمحة التي خاطب الله تعالى بها أهل الكتاب أنفسهم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: دين الإسلام؛ دين الحنيفية السمحة؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أدركت -من كلام ربها تعالى- أن الحنيفية السمحة؛ هي التي يستوي فيها الناس جميعا -بما فيهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- في العبودية لله تعالى، قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: ١١] !!

إنها الحنيفية السمحة التي فقهها أعرابي؛ دار بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوار التالي: قال الأعرابي: “يا رَسولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟”، فَقالَ: (الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا .. إلخ)، حتى أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصيام والزكاة، فقال الأعرابي: “والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولَا أنْقُصُ ممَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شيئًا”، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (أفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ) [متفق عليه] .. فيا لله كيف فقِه الأعرابي ما فقهه النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام -رضوان الله عنهم- عن الحنيفية السمحة؛ وعن العبودية لله تعالى؛ وعمّا هو مطلوب منه من شرائع الإسلام، كل ذلك في جلسة واحدة مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن المتاجرين بالدين منهم -خاصة حركة كلمة الإيمان النصرانية (Word of Faith Movement)؛ التي لها حضورها الجماهيري الكبير في أمريكا- لم يكتفوا بتكذيب خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام -كما تفعل جميع طوائف النصارى- بل جاءوا بأباطيل وأكاذيب جديدة؛ حجبوا بها أتباعهم عن التعرف على الحنيفية السمحة؛ وصُد بسببها شعوب تلك الحضارة المادية عن التعرف على دين الإسلام؛ ونفروا منه ظانين أنه يحمل نفس الأباطيل التي افتراها دجّالوهم .. أذكر في هذا المقال ثلاثة من أشنع هذه الأباطيل كفرا وبهتانا:

أولا: ادعاء ألوهية البشر: يدعي الأفاكون أن البشر آلهة صغار (Little Gods)، وبذلك زادوا على ما بينه الله تعالى من اتخاذ النصارى عيسى ابن مريم عليه السلام إلها يُعبد من دون الله تعالى -كما بين تعالى ذلك في كتابه الكريم- زادوا فجعلوا النصارى جميعا آلهة صغارا، صرح بذلك المنصر:(Pall Crouch)، والمنصر: (Bill Winston)، والمنصر: (Benny Hinn)، والمنصر: (Todd White)، والمنصر: (Kenneth Copeland)، والمنصر: (Creflo Dollar)، وغيرهم من الأفاكين المفترين كثير !!

ثانيا: ادعاء الكلام مع الإله: وهو ما يسمى بالإصلاح الرسولي (apostolic reformation)، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: ٩٣]؛ ويزعم هؤلاء المفترون من المنصرين أن عهد النبوة لم ينته؛ وأن الإله يخاطبهم ويخاطبونه؛ ومن ثم يستعبدون أتباعهم بالاستعلاء عليهم !!

ثالثا: إنجيل الرخاء (Prosperity Gospel): وهذه أكبر عملية نصب واحتيال حدثت على امتداد تاريخ النصرانية؛ يقوم بها القساوسة المجرمون، حيث يغرسون في أتباعهم مفهوم: أن الفقر والمرض لعنات؛ يجب كسرها عن طريق الإيمان، وأن هذا لا يتحقق إلا من خلال التبرعات المالية؛ التي كلما زادت زاد المتبرع بُعدا عن الفقر أو المرض !!

ولذا تجد هؤلاء المجرمين من المنصرين قد اغتنوا من هذه التبرعات، وصاروا يسكنون أغلى القصور، ولديهم طائرات خاصة، ويعيشون حياة الترف والرفاه، وصدق ربنا تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ} [التوبة: ٣٤] !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة!!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!!