الحلقة العشرون من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: ١١] !!
من أعظم ما جاء في كتاب الله تعالى بعد موضوع التوحيد؛ هو هداية الخلق إلى الطريقة المُثلى في التعامل فيما بينهم؛ وتحذيرهم التحذير الشديد من كل سلوك خاطئ يجر إلى النزاع والشقاق وعدم الوِفاق !!
وكان ممّا حذرهم منه -سبحانه- من السلوكيات المشينة؛ السخرية من بعضهم البعض؛ كما دلت عليه الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال !!
وحتى يزداد احترام وتوقير المسلم لأخيه المسلم؛ بيّن صلى الله عليه وسلم حُرمة المسلم؛ وأنها أعظم من حُرمة بيت الله الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منك ..)[السلسلة الصحيحة 3420] !!
هذا وإن المسلم حين يتناول موضوع السخرية بالآخرين وخطرها؛ ليزداد تعظيما لهدي الله تعالى العليم الحكيم، حيث بين سبحانه -منذ ألف وأربعمائة عام- خطر أمْر أرّق أهل الحضارة المادية في هذا العصر -كما سأبين- وساق إليهم من الشرور والمآسي ما لا يعلم قدره إلا الله تعالى؛ حتى راحوا يطلقون عليه مصطلحا ينم عن بشاعته (Bullying) التنمر!!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: خطر السخرية بالآخرين “التنمر”؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت من كلام رسولها صلى الله عليه وسلم أن استقامة إيمان المسلم مرتبط باستقامة لسانه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢٨٦٥)]؛ فنأت بنفسها عن الخوض في الباطل؛ من ذلك السخرية من الآخرين، ناهيك عن بعدها عن ترويع المسلم الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٧٦٥٨)] !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- الذين لم يستسلموا لخالقهم العظيم؛ ومن ثم فاتهم تلقي هديه المبين؛ ومنه أن يقولوا للناس القول الحسن، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، فراح بعض أفراد هذه الأُسر يسخر من البعض الآخر؛ زاعمين أن ذلك من حرية التعبير !!
ومن المهم أن ندرك أن التنمر لا يقتصر على السخرية بالكلام، بل تنوع ليشمل:
التنمر العاطفي: بنشر الشائعات عن ضحايا التنمر؛ وتأليب الأصدقاء عليهم، وغير ذلك !!
التنمر الجسدي: مثل الدفع، والضرب وغيره!!
التنمر الجنسي: باللمس وغيره !!
التنمر العنصري: باستخدام كلمات أو أفعال غير لائقة بخصوص لون الشخص؛ أو ثقافته؛ أو أصله؛ أو جنسيته!!
وبالرغم من أن التنمر قد يقع في كثير من الأمكنة؛ كالبيوت، وأماكن العمل، والتجمعات، وغيرها، غير أني سأقتصر في مقالي هذا على الحديث عن التنمر الذي يقع في مدارس الحضارة المادية المعاصرة؛ لتفشيه فيها !!
الإحصائيات التالية منقولة من: (National Voices For Equality, Education, And Enlightenment – Bullying Statistics)، عن التنمر في المدارس الأمريكية، وآثاره السلبية الجسيمة:
تضم المدارس الأمريكية قرابة (٢،١) مليون طالب وطالبة من المتنمرين!!
يتعرض ٨٦٪ من الطلاب للتنمر بالتهجم عليهم؛ والسخرية منهم !!
يعتدي المتنمرون جسديا على (٢٨٢٠٠٠) طالب وطالبة من القسم الثانوي شهريا !!
يتغيب نحو (١٦٠٠٠٠) طالب وطالبة يوميا عن الدراسة؛ بسبب الخوف من الطلبة المتنمرين !!
تسبب التنمر في المدارس إلى حوادث انتحار ضحايا التنمر .. في عام ٢٠٠٥م انتحر (٢٧٠) طالبا وطالبة، تتراوح أعمارهم بين (١٠ – ١٤)!!
تسبب التنمر في المدارس في إحداث ردة فعل خطيرة لدى بعض ضحايا التنمر؛ وذلك بارتكاب جرائم قتل جماعية في مدارسهم؛ انتقاما لأنفسهم!!
تعرض مليون طفل -خلال عام واحد- إلى التنمر السبراني بالتهديد؛ وبأشكال أخرى من التسلط والابتزاز .. وتكمن خطورة التنمر السبراني في كونه يمتد طوال ساعات الليل والنهار؛ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي!!
كما يتعرض (٨٤) مدرسا من بين كل ألف مدرس ومدرسة إلى التنمر؛ بالاعتداء عليهم؛ والسرقة؛ والتخويف !!
وممّا أحزنني كثيرا؛ تقرير نشرته صحيفة الجارديان الإلكترونية: أنه من بين كل عشرة أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة يقع التنمر على ثمانية منهم .. حقا هؤلاء قوم فاتهم الاستسلام لله تعالى؛ كما فاتهم تنشئة أبنائهم على معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن رَأَى مُبتَلًى فقال: الحمدُ للهِ الذي عافَانِي مِمَّا ابْتلاكَ به، و فَضَّلَنِي على كَثيرٍ مِمَّنْ خلق تَفضِيلًا ، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البلاءُ) [صححه الألباني في صحيح الترمذي (٣٤٣٢)] !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة!!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!