التأمل المفيد (٢٩٩)

الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨] !!

عرف المسلمون من كلام ربهم تعالى؛ وأحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم أهمية الحكم بين الناس بالعدل .. وقد كان من أفقههم في هذا الباب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي عن صحابته أجمعين- فقد جاء في رسالة أرسلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن القضاء: ” .. وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر .. إلخ”[الأحكام السلطانية للماوردي (١٢٢)]!!

وقد كان العدل في القضاء ممّا ميز الله تعالى به الأمة المسلمة عن غيرها من الأمم، كما كان من أعظم ما ساعد على استتباب الأمن والسلام في بلاد الإسلام على مر تاريخها الطويل !!

 أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الحكم بين الناس بالعدل؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: افتخرت بما سطره المسلمون في باب العدل في القضاء من قصص؛ كأنها ضرب من الخيال، من ذلك: ما حكم به قاض مسلم لصالح كاهن من سمرقند؛ شكا إليه فعل القائد قتيبة بن مسلم الباهلي؛ أنه فتح بلاده عنوة بدون أن ينذر أهلها -كما شرع الله تعالى- فأصدر القاضي حكمه: “قضينا بإخراج المسلمين من سمرقند من جيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تُترك الدكاكين والبيوت، وأنْ لا يبق في سمرقند أحدٌ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك”، فلما رأى الكهنة وأهل سمرقند هذا العدل الرباني؛ أسلموا جميعا لله رب العالمين [تاريخ الطبري (٥٦٧/٦)] !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإنه لا يكفي الحديث عن العدل في القضاء بين الناس لديهم بمعزل عن الحديث عن المنهج الذي ارتضاه المجتمع لنفسه في شتى جوانب الحياة .. إذ لا يعقل -بل ومن الغريب- أن يتم العدل بين المتخاصمين في المحاكم؛ ثم نجد أن القضايا التي تحتاج إلى محاكم تزداد بأعداد فلكية، إلا أن نقول إنهم تنازلوا عن السعادة في مجتمعاتهم !!

وما هذا الانفلات الأمني الكبير في مجتمعاتهم -بالرغم من عملهم بشعار؛ لا يعلو أحد على القانون- إلا نتيجة تمردهم على قوانين السماء؛ فحق فيهم قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠]!!

ويتعجب الإنسان من العدد المهيل من المكالمات التي تصل إلى الجهات الأمنية على الرقم (911)، على أثر المشكلات التي لا حصر لها؛ من جرائم وعنف منزلي وغيرها، حيث بلغ عدد المكالمات في أمريكا لوحدها (٢٤٠) مليون مكالمة سنويا؛ بمعدل (٦٠٠٠٠٠) ستمائة ألف مكالمة يوميا حسب إحصائية مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI)، فكم يا ترى -من هذه المكلمات المليونية- ما يحول إلى قضايا في المحاكم !!

وحتى يتضح للقارئ الكريم خطورة المنهج الذي تنهجه مجتمعات الحضارة الغربية في كافة جوانب الحياة؛ وأدى إلى كثرة القضايا التي تحتاج إلى المحاكم؛ سأوضح ذلك بمثالين:

إذا نهج أرباب الحضارة المادية نهجا مخالفا لمنهج الله تعالى; بخروج النساء سافرات متبرجات؛ ثم زادوا فاستحلوا العلاقات المحرمة .. فكم عساها تكون قضايا العنف المنزلي التي تحتاج إلى محاكم ؟؟!! في إحصائية من [National Statistics Domestic Violence Fact Sheet  ])”امرأة من بين أربعة نساء؛ ورجل من بين سبعة رجال؛ وقعوا ضحايا للعنف المنزلي الشديد؛ كالضرب والحرق والخنق”!!

ومن أعجب العجب أنهم لا يتحدثون في محاكمهم عن كون السفور وتبرج النساء رافدا كبيرا؛ وسببا أساسا وراء معظم الجرائم لديهم، ولا حتى بالإشارة إليه!!

وهكذا إذا نهجوا نهجا يستحلون فيه شرب المسكرات؛ التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (ما أسْكرَ كثيرُهُ فقليلُهُ حرامٌ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٥٣٠)] .. فكم عساها تكون القضايا التي تحتاج إلى محاكم جراء الحوادث التي يسببها شرب المسكرات ؟؟!! قيادة المخمورين للسيارات مثالا؛ وغيره كثير !!

وأمّا غرائب أخبار المحاكم لديهم فيطول منه العجب، من ذلك:

إذا اعترف القاتل قتل عمد بجريمته -مهما بلغت بشاعتها- فإن ذلك الاعتراف يخفف عنه حكم الإعدام إلى السجن .. وبعض أهالي الضحايا يغضبون لتخفيف الحكم عن القاتل ويقولون: الضحية مات -أو ماتت- في مقتبل العمر؛ والقاتل ينعم بالحياة في السجن حتى يموت!!

إذا اشترك مجموعة في جريمة قتل -وكانوا موجودين جميعا في موقع الجريمة – فإن الذي باشر القتل منهم هو من تنزل عليه أشد العقوبة .. أمّا في الإسلام فيُقتلون جميعا .. قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعة برجل قتلوه غيلة، وقال: “لو تمالأ عليه أهلُ صنعاءَ لقتلتهم جميعًا”[صححه ابن الملقن في البدر المنير (٨‏/٤٠٤)] !!

الحكم بمدد طويلة لدرجة مضحكة .. كالحكم على الإرهابي المحلي الأمريكي (Terry Nichols) الشريك في تفجير ولاية أوكلاهوما الشهير .. حكموا عليه عام ٢٠٠٤م (١٦١) مرة سجن مؤبد بالإضافة إلى (9300) سنة, وغيره كثير !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة!!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!