الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ • وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ • وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: ١٩-٢١] !!
ضَمِن كتاب الله تعالى توجيه العقول ودلالتها إلى المنهجية الصحيحة السليمة في النظر إلى الأمور، من ذلك:بيان شناعة التناقض بين القول والفعل .. فالآيات الكريمات -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تدل على أن الأعمى لا يستوي أبدا مع نقيضه البصير، والظلمة لا تستوي مع النور .. وكذلك إذن الأقوال لا تستوي أبدا مع نقيضها من الأفعال!!
وقد مقت الله تعالى من يقول ولا يفعل مقتا كبيرا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ • كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢-٣]، فكيف بمن يفعل نقيض ما يقول ؟!
كذلك بين صلى الله عليه وسلم شدة عذاب المتناقض بين قوله وفعله يوم القيامة فقال: (يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ، فيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بهَا كما يَدُورُ الحِمَارُ بالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فيَقولونَ: يا فُلَانُ ما لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بالمَعروفِ، وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فيَقولُ: بَلَى، قدْ كُنْتُ آمُرُ بالمَعروفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ) [متفق عليه] !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: التناقض بين القول والفعل؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: حينما علمت أن رسولها صلى الله عليه وسلم نهى عن مخالفة القول للفعل حتى في التعامل مع الأطفال .. في الحديث عن عبدالله بن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- قال: دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: ها تعالَ أُعطيكَ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (وما أردتِ أنْ تعطيهِ؟) قالتْ: أُعطيهِ تمرًا، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (١٣١٩)]؛ حينما علمت ذلك نأت بنفسها عن أن يخالف قولها فعلها؛ فتقع في التناقض المذموم !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإنه لم يمر على البشرية عصر تناقض فيه قول وفعل أمة من الأمم كما تناقضت الحضارة المادية في هذا العصر، ويرجع ذلك إلى أصل ثقافتهم التي لم تكتف بالسماح بوجود الرأي والرأي الآخر -مع كون السماح بمثل ذلك يعد أمرا محمودا ومطلوبا في أبواب العلم المادي؛ حتى تتلاقح العقول؛ لاستخراج كنوز الأرض والسماء؛ التي سخرها الله تعالى للإنسان- بل إنهم وسّعوا نطاق ثقافة الرأي والرأي الآخر لتمس الدين -عقيدة وسلوكا- فنتج جراء ذلك شتى التناقضات البغيضة بين أقوالهم وأفعالهم .. ذلك أن الدين -عقيدة وسلوكا- حق واحد لا يتجزأ، وأمّا الباطل فظلمات كثيرة !!
ولأنه يصعب على الباحث حصر تناقضات أرباب الحضارة المادية المعاصرة في الأقوال والأفعال؛ نظرا لكثرتها، فإنني أسلط الضوء على بعضها من خلال محورين:
المحور الأول: تناقضات أقوال وأفعال الحضارة المادية على مستوى العالم:
رفعت الحضارة المادية شعارات براقة كحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والحرية، فكيف كانت أفعالهم ؟!
حربين عالميتين، تلاها استعمار مزق الأمة الإسلامية شر ممزق (اتفاقية سايكس بيكو) .. دعم لمغتصبي المسجد الأقصى .. حرب إعلامية مشبوبة لتشويه الإسلام .. دعم الشذوذ والإباحية عالميا، وغير ذلك من الظلم والجرائم !!
المحور الثاني: تناقضات أقوال وأفعال الحضارة المادية على مستوى الداخل -لدولة واحدة؛أمريكا مثالا-:
لا أحتاج إلى كبير عناء للتدليل على التناقضات الكبيرة بين أقوال بعض أفراد الأُسر غير المسلمة؛ وبين أفعالهم، فكل ما مر معنا من انحرافات؛ دونتها في الحلقات الماضية من هذه السلسلة -كالأرقام الفلكية لجرائم القتل؛ والنهب والسلب؛ والاعتداءات الجنسية؛ واتباع خطوات الشيطان؛ خاصة في تبرج المرأة وسفورها؛ وعقوق الوالدين- إنما هو النقيض تماما من شعار رفعوه يقول: أن كل من نزح إلى أمريكا إنما نزح لتحقيق الحُلُم الأمريكي(American Dream)وما فيه من أمن ورخاء!!
وكان بإمكانهم حماية أنفسهم من كل هذه الطامات؛ بأن يستسلموا لله تعالى وينقادوا لمنهجه القويم، فتستقيم أقوالهم وأفعالهم؛ ولا تتناقض، وينعموا بعد ذلك بالحياة الطيبة؛ التي وعد الله تعالى بها عباده الصالحين !!
وهذه بعض صور تناقضات الأقوال والأفعال لديهم:
تناقض بين أقوالهم العلمية بأضرار الخمور؛ وبين شربهم لها؛ وبيعها في كل مكان !!
تناقض بين أقوالهم العلمية بخطورة الأمراض الجنسية؛ وبين استحلالهم لمسبباتها من علاقات محرمة وشذوذ !!
تناقض بين زعمهم المساواة بين شعوبهم؛ وبين ممارستهم العنصرية البغيضة، حتى احتاج السود في أمريكا لرفع شعار: حياة السود مهمة (Black Lives Matter) !!
تناقض بين أقوالهم بخطر جرائم القتل؛ وبين إنتاج أفلام تشجع على الجريمة والقتل، كمسلسل (Dexter) ذي الستة وتسعين حلقة .. وفلم (twilight movie) عن مصاص للدماء .. وقد تأثر بها أفراد حتى أصبحوا مجرمين قتلة !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة!!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!