الحلقة السابعة عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى حاكيا قول الشيطان الرجيم: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩] !!
الله تعالى أحسن الخالقين، قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، وإذا خلق شيئا سبحانه أحسن خِلقته من أول مرة : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: ٧]، أمّا البشر، فإنهم إذا صنعوا شيئا؛ أخذوا في تطويره المرة تلو الأخرى !!
وكم يزداد إيماننا بالله تعالى إذا نظرنا إلى مخلوقاته سبحانه التي أتقن صنعها من أول مرة، على سبيل المثال: العملية الإعجازية من تكون اللبن في ضرع بهيمة الأنعام؛ كانت هكذا منذ خلق الله تعالى الأنعام !!
وكذلك أحسن الله تعالى خلق الإنسان وجعله في أحسن تقويم؛ منذ خلق آدم عليه السلام؛ وإلى آخر إنسان يدب على هذه الأرض، فلا حاجة إذن للتغيير والتبديل في خلق الإنسان، بل هو حرام؛ وكبيرة من كبائر الذنوب !!
غير أنه لم يمر على البشرية عصر انقاد فيه غير المسلمين لأوامر الشيطان الرجيم؛ وتطاولوا فيه على تغيير خلق الله تعالى كما تطاولوا عليه في هذا العصر!!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: تغيير خلق الله تعالى؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حُرمة تغيير خلق الله تعالى، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٥١٠٤)]، وقال ابن عباس رضي الله عنه: (لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَال) [رواه البخاري (٥٨٨٥)] !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن من أكبر الانحرافات التي وقعوا فيها -بعد كفرهم بالله تعالى؛ وبرسوله صلى الله عليه وسلم- هو ما أسموه بالحرية الشخصية، تلك الحرية التي انسلخ بها الفرد من شرع الله تعالى في كل جوانب الحياة، غير أني سأقتصر في هذا المقال على الحديث عن الطامات التي تعامل بها بعض أفراد الأُسر غير المسلمة مع أجسادهم؛ مغيرين بذلك خلق الله تعالى !!
وسيكون حديثي عن جريمة تغيير خلق الله تعالى من قِبل بعض أفراد الأُسر غير المسلمة من خلال ثلاثة محاور:
المحور الأول: فن الجسد؛ هكذا أسموه (Body Art)، وليس غريبا على الحضارة المادية المعاصرة التلاعب بالمصطلحات؛ فقد أسموا فاحشة الزنا حبا !!
وفن الجسد يدخل فيه من تغيير خلق الله تعالى عدة أشكال، من ذلك:
(١) الوشم : (Tattoo)، ويتعجب المسلم من تنوع الرسوم في الوشم، فمنه صور للشيطان؛ ومنه صور تدل على حب العنف والقتل !!
(٢) ثقب الجسد (Body Piercings): هو عبارة عن محاولة لتزيين الجسد؛ بعمل ثقوب فيه؛ لوضع المجوهرات وأدوات الزينة .. البرازيلية إلين ديفيدسون (Elaine Davidson) سجلت الرقم الأعلى عالميا في ثقب جسدها (٦٠٠٥ ثقبا) !!
(٣) عمليات التجميل: (cosmetic surgry): وهذا باب بحثه علماء الإسلام -جزاهم الله خيرا- لبيان ما يجوز من هذه العمليات؛ وما لايجوز؛ يمكن للقارئ الكريم الرجوع إليه في فتاواهم !!
المحور الثاني: المتحولون جنسيا (Transgender): عالج الإسلام موضوع الخنثى؛ فيراجع كلام العلماء فيه .. لكن الذي حصل في الحضارة المادية المعاصرة -بسبب تقدمهم في طب الجراحة- أن تجرأوا على إجراء عمليات جراحية وهرمونية لمن يرغب في التحول إلى الجنس الآخر -فالحرية الشخصية المزعومة تضمن لهم فعل أي شيء في أجسادهم- وهذا عين التغيير في خلق الله تعالى .. ونسي المتحول جراحيا أن كل خلية من تريليونات الخلايا في جسده -إذا تحول إلى أنثى مثلا- هي خلايا ذكورية، والعكس صحيح !!
وهذا عنوان مقطع لأحد النادمين من المتحولين: (He Used To Be Trans) !!
المحور الثالث: بات معلوما للناس التقدم الهائل والكبير الذي أحرزه علماء الحضارة المادية في علوم الجينات البشرية (Human genetics) .. وكذلك النجاحات الكبيرة التي أحرزها الأطباء في استخدام علوم الجينات لعلاج بعض الأمراض !!
لكن الغريب أن يُطرح في الساحة الفكرية في الغرب -بسبب هذا التقدم الكبير في علم الجينوم البشري- توجه: بأننا على مشارف عهد ما بعد الإنسانية (transhumanists)؛بمعنى التغيير في الجينات لإخراج بشر -زعموا- فائقي القدرات .. ففي مقال لمركز بيو للأبحاث(Human Enhancement: Scientific and Ethical Dimensions of Genetic)طرح المركز وجهات نظر المؤيدين والمعارضين لفترة ما بعد الإنسانية .. مع أن المؤيدين أقلية -لا بارك الله فيهم- وهناك أخلاقيات (Ethics)؛تمنع من الإقدام على هذا التغيير في خلق الله تعالى !!
ونحن -كمسلمين- نعلم أنهم لو أقدموا على تغيير خلق الله تعالى بالتلاعب بالجينات البشرية؛ فإن هذا لا يخرج عن كونه من الفساد الذي سيكون وبالا وخسرانا عليهم، ولذا قال تعالى فيمن يغيرون خلق الله تعالى -بعد أن حكى قول إبليس-: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}[النساء: ١١٩]، فهي إذن الخسارة في الدنيا والآخرة !!
كما نعلم أن الإنسان مصيره الهرم -إذا مد الله له في العمر- وأن الموت نهاية كل إنسان، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، ولا علاج للهرم ولا للموت البتة !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة!!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!