الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الاسراء: ٧٠] !!
يدرك أهل الإسلام من الآية الكريمة تفضيل الله تعالى لبني آدم على كثير من مخلوقاته؛ وتكريمه سبحانه لهم، وهو فخر وشرف عظيم ينبغي للإنسان أن يتذكره؛ ويتحدث عنه؛ كنعمة من نِعم الله تعالى العظيمة عليه !!
ومع انهيار قيم الحضارة المادية المعاصرة؛ وكثرة مآسيها؛ وتفكك أُسرها؛ يحق لنا أن نسأل سؤالا مهما:
أين تقف تلكم الحضارة من كرامة الإنسان؛ التي نص عليها القرآن الكريم في الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ؟؟!!
ثم نطرح سؤالا آخر بعد إدراك تكريم الله تعالى لبني آدم عليه السلام:
أين تقف الحضارة المادية المعاصرة من دعوة الله تعالى للناس أجمعين -والناس أجمعون ينتسبون إلى العائلة الأكبر؛ عائلة بدأها الأبوان الموحِدان؛ آدم وحواء عليهما السلام-؛ أين تقف الحضارة المادية من دعوة الله تعالى الناس لتقواه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: ١٣]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ -: إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٧٠٠)]؛ ليبلغوا بتقواه سبحانه ما وعدهم به من كرامة في الدنيا والآخرة .. وأن يقودهم تعارفهم -الذي وصى الله تعالى به الناس في الآية الكريمة- إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر ؟؟!!
الجواب على السؤالين يأتي ضمن ما بقي من فقرات المقال:
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: تكريم الله تعالى لبني آدم عليه السلام؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: أدركت من قوله تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣]؛ أدركت أن الكرامة التي أرادها الله تعالى لبني آدم؛ لا تتحقق إلا باتِّباع صراط الله تعالى المستقيم؛ وترك كل سبيل سواه !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن تنكبهم لسبيل النجاة الوحيد -صراط الله تعالى المستقيم- واتِّباعهم سُبُل فلاسفتهم ومنظريهم وساستهم، قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٧]؛ الذين شرّقوا بهم وغرّبوا في النظرة إلى الإنسان -كما سأبينه- قد أفقدهم الكرامة التي أراد الله تعالى لهم؛ وأودت بهم إلى أسفل سافلين، قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: ٥] !!
لن أتحدث في هذا المقال عن الفلسفة الشيوعية -التي ضخّمت من شأن الجماعة على حساب الفرد-، ولا عن الفلسفة الرأسمالية -التي ضخّمت من شأن الفرد على حساب الجماعة- وكلتا الفلسفتين ابتدعتا منهجا للحياة ما أنزل الله تعالى به من سلطان، وأحدثوا من الفساد في مجتمعاتهم ما طفحت به كتب النُقّاد من المسلمين وغيرهم !!
وكذلك لن أتحدث عمّا لديهم من فلسفات أخرى عجيبة وغريبة؛ احتدم الجدل حولها بين مؤيد ومعارض؛ لغرابتها، منها:
فلسفة: “بُغض الجنس البشري” المسنثروبيا “misanthropy”؛ وهو توجه فكري، أو حالة نفسية؛ تتمثل في كراهية ومعاداة وانعدام الثقة في الكائن البشري [ويكيبيديا] .. أول من تكلم بهذا الهراء الأديب الفرنسي (Molière) .. هذا الهراء يناقض الكرامة التي أرادها الله تعالى للبشر؛ ورحمتهم؛ والإحسان إليهم !!
لكن الذي يهمني الحديث عنه في هذا المقال؛ هي تلك النظرة المقيتة للإنسان؛ التي تؤمن بها حتى شعوب الحضارة المادية -الشيوعيه منها والرأسمالية على السواء، فضلا عن الفلاسفة والمنظرين-؛ وهي أن الإنسان -المكرّم من الله تعالى؛ والمفضّل على كثير ممن خلق تفضيلا- من أقل الموارد حظوة بالاهتمام والعناية؛ مقابل باقي الموارد في الشركات والمصانع؛ كالمنشآت والأجهزة والحواسيب !!
الموارد الأخرى -سوى الإنسان- تحظى ببرامج صيانة بعد الدوام، حتى يستمر عملها ولا تعطب .. إلا الإنسان؛ فإنه لم يحظ بأي اهتمام بعد أداء ساعات الدوام .. إنما تركوه خارج مصانعهم وشركاتهم؛ ليفعل ما يحلو له؛ في حرية بهيمية .. بل أمعنوا في إفساده حينما زينوا له نمط حياة؛ سمحوا له فيه بمخالفة الفطرة بالإباحية والشذوذ، كما وفروا له البارات والملاهي -تحت نظر وحماية القانون- ناهيك عن إفساد أحواله الاقتصادية بالربا ولعب القمار !!
هكذا يتبين الفرق بين الإسلام المنهج الرباني الشامل لكل جوانب الحياة -والتي منها الإبداع المادي- وبين منهج البشر الذي نجح في دفع الإنسان لبذل قصارى جهده وطاقته في مصنعه، ثم تركه هملا كالأنعام في سائر حياته؛ بل هو أضل منها، كما قال تعالى عن المتمردين على منهجه؛ الرافضين للاستسلام لخالقهم: {أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩] !!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!