التأمل المفيد (٢٩٤)

الحلقة الرابعة عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣] !!

أكثر المجتمعات تفشيا لجريمة القتل هي تلك التي لا تؤمن بالله العظيم؛ ولا تنقاد لمنهجه القويم، حتى إن كفار قريش كانوا يئِدون الطفلة حية، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ • بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨-٩] !!

ومجتمعات الحضارة المادية المعاصرة -مهما تقدمت وسائلها وآلياتها في الكشف عن الجريمة؛ والقبض على المجرمين- تجري عليها سنن الله تعالى فيمن كفر به سبحانه، من ذلك: انتشار جرائم القتل بنسب غير مسبوقة؛ بالرغم من نزول الوحي على رسلهم -عليهم الصلاة والسلام- بأن من قتل نفسا واحدة كأنما قتل الناس جميعا، قال تعالى عن بني إسرائيل: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] !!

كذلك تتفشى جرائم القتل والنهب وهتك الأعراض في المجتمعات -حتى وإن استسلمت لله العظيم- إذا تعامل الناس مع بعضهم البعض بالتعاملات البغيضة؛ التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تحاسَدُوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا ولا تدابَرُوا، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المسلِمُ أخُو المسلِمِ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ، ولا يَحقِرُهُ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ) [متفق عليه]، ولفتة مهمة في هذا الحديث الشريف: وهو أن بيانه صلى الله عليه وسلم عن حرمة دم المسلم وحرمة ماله وعرضه؛ جاء بعد تحذيره من تلك التعاملات المقيتة، وفي هذا دليل على أن تلك التعاملات قد تفضي في النهاية إلى ارتكاب الجرائم البشعة؛ من قتل ونهب وغيره !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: القتل بغير حق؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أدركت من قول رسولها صلى الله عليه وسلم: (لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا) [رواه البخاري (٦٨٦٢)]؛ شناعة سفك الدم الحرام؛ وشدة عقوبته في الآخرة؛ فنأت بنفسها عنه؛ وعن كل التعاملات السيئة التي قد تقود إلى هذه الجريمة النكراء !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن عدم إيمانها بالله العظيم؛ وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؛ قد فوّت عليهم هديه صلى الله عليه وسلم في تعلم التعامل الراقي بين الناس؛ وفي تحريم التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر والغيبة والنميمة والظلم والاحتقار .. ناهيك عن طغيان حب المادة لديهم على احترام الإنسان؛ واحترام حياته؛ فرخُص لذلك دمه؛ وانتشرت جرائم القتل بينهم لأتفه الأسباب وأحقرها، وفيما يلي استعراض لبعض صور جرائم القتل ودوافعها؛ من بعض أفراد الأُسر؛ في حضارة تدعي احترام حقوق الإنسان:

القتل لأجل القتل: أو ظاهرة القتلة المتسلسلين (Serial Killers)، والقاتل المتسلسل هو من يقتل ثلاثة فأكثر في أوقات مختلفة؛ وغالبا بنفس الطريقة .. والمخيف أن تتحدث تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) أن عدد القتلة المتسلسلين في أي لحظة في أمريكا لوحدها: يبلغ ما بين خمس وعشرين إلى خمسين قاتلا متسلسلا .. من هؤلاء القتلة المتسلسلين: صموئيل ليتل (Samuel Little)، الذي اعترف بقتل (٩٣) امرأة، بين عامي (١٩٧٠ – ٢٠٠٥) !!

قتل الأطفال لبعضهم البعض في المدارس: في كتاب صدر عام ألفين ميلادي في الولايات المتحدة الأمريكية عن موضوع قتل الأطفال لبعضهم البعض، وقد أصاب الكتاب الناس بالذعر والهلع، حيث أبان فيه الكاتب أن معدل قتل الأطفال في المدارس في كل أمريكا: مقتل طفل كل ساعتين !! الكتاب للدكتور جيمس شو، وعنوانه: “لماذا ارتكب جاك وجل جريمة القتل” (Jack & Jill, Why They Kill); ذكر في كتابه أنه قام بزيارات ميدانية؛ قابل فيها بعض القتلة من الأطفال في السجون !!

جرائم القتل الجماعي (Mass Killing)، وهذه تحصل في أماكن التجمعات؛ كالمدارس والأسواق، غير أنها لا تقع في الغرب فقط، بل حتى في الشرق، ففي اليابان قام أحد المجرمين واسمه (Satoshi Uematsu)، عام ٢٠١٦ من الميلاد بمذبحة في مبنى رعاية للمعاقين؛ قتل طعنا (١٩) شخصا معاقا، وجرح (٢٦) آخرين منهم !!

من أعظم أسباب الجرائم في الحضارة المادية؛ الأمراض النفسية، فليس في ثقافتهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سَلوا اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ) [صححه ابن القيم في زاد المعاد (٣٥٩/٢)]، بل تتخبطهم الشياطين بوساوسها وهمزها ولمزها، حتى إن مساعد طيار -معتل نفسيا، ولديه أفكار انتحارية- على الرحلة (Germanwings Flight 9525)، تعمد بالهبوط بها هبوطا متسارعا؛ لترتطم الطائرة في سلسلة جبال الألب في فرنسا؛ موديا بحياة جميع الركاب البالغ عددهم ١٤٩ راكبا، وذلك عام ٢٠١٥ !!

وممّا يدلل على طغيان حب المادة لديهم على احترام حياة الإنسان؛ وجود مجرمين قتلة بالإيجار (Hit Man) -ليس بينهم وبين القتيل أي دوافع؛ من انتقام أو غيره- يقومون بالقتل لأجل المال فقط !!

أمّا جرائم القتل الفردية؛ ففي أمريكا لوحدها ارتفعت من (٢٢٠٠٠ في عام ٢٠٢٠) إلى (٢٢٩٠٠ في عام ٢٠٢١)؛ حسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!