التأمل المفيد (٢٩٢)

الحلقة الثانية عشرة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] !!

إذا كان الدخول في الزواج قد أحاطته النفوس -خاصة العروسان- بالفرحة والسرور والغبطة؛ فإن الزوجان المؤمنان حقا وصدقا بالله وباليوم الآخر -إذا تيقن أحدهما أو كلاهما استحالة البقاء في الزواج؛ بعد بذل كافة الأسباب التي شرعها الله تعالى لتجنب الطلاق- عليهما أن يستحضرا عند خروجهما من الزواج بالطلاق؛ تقوى الله تعالى؛ التي كررها القرآن الكريم مرات في سورة الطلاق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: ٥] !!

إذ ليس الطلاق في الإسلام حربا تشب بين الزوجين، يسارع كل منهما لإبداء مساوئ الطرف الآخر؛ بُغية الانتصار عليه -ناسين تقوى الله تعالى- ليقعوا بعد ذلك في الغيبة والنميمة؛ ويتعالى كل طرف على الآخر -والتعالي هو النشوز، وهو خُلُق بغيض- يتعالى الزوج على زوجته، قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: ١٢٨]، أو تتعالى الزوجة على زوجها، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] !!

إنما يريد الله تعالى أن يخرج الزوجان بالطلاق -إذا اتقيا الله تعالى- سعيدين في هذه الدنيا، فقد يبدل الله تعالى الزوج خيرا من زوجته، ويبدل الزوجة خيرا منه، قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: ١٣٠] !!

ثم الأجر العظيم في الآخرة، والبعد عن غضب الله، قال تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] .. وليستمر -بسبب هذه التقوى- تطلع الأبناء لهما -إن وُجِد أبناء- كقدوات لهم حتى بعد الطلاق، وحتى لا يكون الطلاق سببا لقطع الأرحام؛ وتفكك الأسر في المجتمع المسلم !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الطلاق؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أدركت أن العِدة التي أوجبها الله تعالى على الزوجة؛ لا تقتصر حكمتها على براءة الرحم من الحمل فقط، وإنما تلمست خيرا من وراء هذه العِدة؛ وذلك في قوله تعالى في نهاية الآية الأولى من سورة الطلاق: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، قال أهل التفسير: “لا تدري- أيها المطلِّق-: لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه فتراجعها” !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فإن كان هناك أمر يصح أن يُستشهد به على مادية حضارتهم؛ وأن المال -وليس الدين أو الأخلاق- هو المحور الذي تدور عليه حياتهم؛ فهو موضوع الطلاق !!

إن تمرد الأسرة غير المسلمة على منهج خالقها في كل شيء -ومن ذلك الطلاق- قد ألغى من حسابها العِدة التي أوجبها الله تعالى على المرأة .. وصارت المدة التي يتطلبها صدور الطلاق من المحكمة -والطلاق لديهم مسموح بأن يطلبه أحد الطرفين- تحددها فترة التدقيق في الأمور المالية والممتلكات للزوحين؛ التي يحتاج إلى معرفتها القاضي -وهو عمل يقوم به المحامون، وقد يستغرق شهورا؛ وفي بعض الحالات سنين- حتى تقسم المحكمة الممتلكات الزوجية (Marital property)؛ -وهو ما يكتسبه الزوجان أثناء فترة الزواج- تحت قانون يسمى”قانون التوزيع العادل” -زعموا- (Equitable Distribution Law. ) .. وقد تقصُر مدة صدور الطلاق من المحكمة إذا اتفق الزوجان على قيمة التعويض بينهما، ويسمون هذا الطلاق “طلاق غير متنازع عليه” (uncontested divorce)؛ وقد أعطى دونالد ترمب طليقته Ivana -والدة أولاده الكبار- تعويضا قدره (٢٥) مليون دولار  !!

أين هؤلاء من دين الإسلام العظيم الذي أبقى لكل من الزوجين أموالهما وممتلكاتهما، لا تُقسم بينهما عند الطلاق -وهو ما يوافق الفطرة في حب التملك- إلا ما أوجبه الشرع الحنيف من النفقة على المعتدة، أو واجب النفقة على الأولاد، أو ما كان صداقا مؤخرا، أو إذا أحب أحدهما أن يهب الآخر هبة لوجه الله تعالى ؟!

ولا شك عندي أن هنالك سببان من أكبر أسباب العزوف عن الزواج في الحضارة المادية المعاصرة:

أولا: استباحتهم العلاقات المحرمة قبل الزواج، وهو ما بينته في مقال سابق من هذه السلسلة !!

ثانيا: سماحهم لأي من الزوجين بطلب الطلاق؛ خلافا لشرع الله تعالى الحكيم الذي جعل الطلاق -المحدد عددا وزمنا- بيد الرجل؛ لما له من القوامة ووجوب النفقة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ} [النساء: ٣٤]، ولذا يعزف كثير من غير المسلمين عن الزواج؛ بعدا عن الالتزامات المالية؛ التي قد يتسبب فيها أي من الطرفين؛ طمعا لمكاسب مالية من وراء طلب الطلاق !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!