التأمل المفيد (٢٨٧)

الحلقة السابعة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!

قال الله تعالى:  {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] !!

لم تُصب أمة في مقتل مثل ما أُصيبت أمم -غير مسلمة- رفضت الإسلام دين الفطرة؛ الذي لا سعادة لها -في الدنيا والآخرة- إلا باتِّباع نهجه القويم؛ فانتكست بسبب ذلك الرفض أسفل سافلين !!
ولفظاعة وشناعة الأمر أقول للتقريب:

هل يُتصور أن تتخلى أمة عن مهندسيها وتخصصاتهم العلمية المتنوعة؛ ممّا مكن لها أن تكون في مصاف الدول الأرقى في عمارة الأرض ؟! لا يُتصور ذلك أبدا !!

وهل يُتصور أن تتخلى أمة عن أطبائها وتخصصاتهم العلمية المتنوعة؛ ممّا مكن لها أن تكون دولة يؤمها الناس للعلاج والاستشفاء ؟! لا يُتصور ذلك أبدا !!
وقل مثل ذلك في كافة مجالات الرقي المادي !!

فكيف ترضى أمة أن تتخلى عمّا هو أعظم من كل ما سبق ذكره؛ الإسلام دين الفطرة؛ وشريعته الربانية المحكمة، الذي فيه السعادة الحقيقية لأفراد مجتمعها؛ في الدنيا والآخرة ؟؟!! تتخلى عنه لتستبدله بأقوال المشرعين من البشر؛ وما يفترونه على الله تعالى من أحكام الحلال والحرام، قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦] !!

وحتى يدرك المسلم شناعة مخالفة دين الفطرة؛ وتبني تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان؛ فقد جعل صلى الله عليه وسلم اتِّباع التشريعات المغايرة لدين الإسلام؛ عبادة للمشرعين لها، ففي الحديث، قدِمَ عديُّ بنُ حاتمٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -وهو نصرانيٌّ- فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}, قال : فقلتُ له : إنَّا لسنا نعبدُهم، قال : (أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه، قال : قلتُ : بلى، قال : فتلك عبادتُهم) [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٢٩٣)] !!

أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: الإسلام؛ دين الفطرة؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:

الأُسرة المسلمة: أيقنت أن الإسلام دين الفطرة، وأن الشريعة الإسلامية تنزيل من العليم الحكيم، وأن الله تعالى هو المستحق للتشريع وحده؛ لأنه هو الخالق، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ} [الأعراف: ٥٤] !! وكل العقلاء يؤمنون بهذا المنطق السوي: أن من خلق الإنسان وسوّاه؛ هو سبحانه الذي يستحق أن يأمره وينهاه !!

بهذا اليقين وهذا التسليم لشرع الله تعالى اضمحلت خلافات الأُسر المسلمة؛ وصارت بحق أُسرا مطمئنة .. وحتى حينما تظهر بينها نزاعات وخلافات -ولابد أن تظهر- نتيجة تفريط في الالتزام بأحكام الله تعالى -بسبب الضعف البشري- فإن الإسلام قدّم لحل تلك الخلافات والمشكلات حلولا ربانية نافعة؛ سواء كانت مشاكل الفرد مع نفسه، أو خلافات الفرد مع أفراد أسرته، أو ما يقع من خلافات بين أسرة وأخرى في المجتمع الكبير !!

أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- التي نبذت دين الفطرة، ورضيت بتشريعات البشر في الحلال والحرام؛ فقد فتحوا على أنفسهم أبواب الشر والخلافات والجرائم المستعصية على مصراعيه -وسيأتي بيان ذلك في الحلقات القادمة لهذه السلسلة إن شاء الله تعالى- ثم ازدادت خلافاتهم وجرائمهم تعقيدا حينما وضعوا لها حلولا من عند أنفسهم؛ بدلا من حلها من أساسها -كما في منهج الله تعالى- مثال ذلك: تخفيف حكم الإعدام عن القاتل عمدا إلى السجن؛ في حال اعترافه بالقتل؛ وعدم إنكاره له ؟!

وإليك أيها القارئ الكريم مؤشرين كبيرين يدلان على تفاقم الجرائم في أُسر ومجتمعات الحضارة المادية المعاصرة:

المؤشر الأول: كثرة عدد رجال الأمن في كل مدينة، وصلاحياتهم الواسعة في التعامل مع المجرمين، حتى بلغ تعداد قوة الشرطة في مدينة نيويورك وحدها في عام ألفين من الميلاد خمسا وخمسين ألفا -وقد كنت شخصيا حاضرا لهذا الإيجاز الذي قُدِّم في مديرية شرطة مدينة نيويورك، وقلت حينها في نفسي هذا تعداد جيش جرّار- ثم طرح مقدم الإيجاز عدد الجرائم المختلفة والكثيرة التي تم رصدها خلال ذلك العام، فأهالتني تلك الأرقام المرتفعة؛ من أنواع الجرائم الفظيعة والمخيفة؛ بين قتل واغتصاب وسرقة وغيرها !!

المؤشر الثاني: كثرة المقاضاة بينهم؛ وكثرة المحامين، حتى ألف المؤلفون لديهم الكتب في ذلك؛ يتساءلون عن أسباب كثرة المحامين في بلدانهم؛ التي أصبحت ظاهرة صارخة هناك ؟؟!!*
*إلا أنها وللأسف الشديد كتب لا تريد أن تصل أبدا إلى تشخيص السبب الحقيقي وراء كثرة القضايا؛ وكثرة المحامين؛ وهو نبذ دين الفطرة؛ الإسلام، والتشريع لأنفسهم من دون الله تعالى !!

فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!