الحلقة الخامسة من سلسلة “واقع الأسرة بين حضارة الإسلام الربانية العظيمة وحضارة الغرب المادية .. مقارنة من الواقع” !!
قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: ١٥] !!
آية كريمة عنيت بموضوعين مهمين جدا: بر الأبناء بالوالدين، وبر الوالدين بأبنائهم !!
فأمّا بر الوالدين فقد عظّم الله تعالى من شأنه بأن قرنه مع الأمر بعبادته وحده سبحانه، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] .. وهو كذلك من المواثيق التي أخذها الله تعالى على الناس، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣]، والآيات والأحاديث كثيرة في تعظيم شأن بر الوالدين !!
وأمّا بر الوالدين بالأبناء فقد ألمحت إليه الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، فتربية الأبناء التربية الصالحة، والنفقة عليهم، والدعاء لهم؛ كل هذا داخل في بر الوالدين لأبنائهم !!
غير أني ألفت نظر القارئ الكريم إلى تدبير إلهي حكيم يحمل في طياته برا للآباء بأبنائهم، وذلك بقسمة ما يورثون وفق شريعة الله تعالى المحكمة؛ حيث لا يظلم فيها أحد من الأبناء !!
بل حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم ألا يوصي بأكثر من ثلث ماله لأعمال البر؛ ليبقي للأولاد مالا يتعففون به عن سؤال الغير، قال صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يوصي بماله كله للنفقة في سبيل الله تعالى: (فالثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ في أيْدِيهِمْ)[متفق عليه]، وهذا لا شك لون من ألوان بر الآباء بأبنائهم؛ أمرهم به الشرع المطهر !!
أخيرا: المقارنة بين الأُسرتين -المسلمة وغير المسلمة- في موضوع: بر الوالدين، وبر الآباء بأبناءهم؛ الذي هو موضوع التأمل في هذا المقال:
الأُسرة المسلمة: علمت من كلام رسولها صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين طريق إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ) [رواه مسلم (٢٥٥١)]؛ فصار للوالدين في الأسرة المسلمة المكانة العالية؛ يتربى عليها الصغير، ويشيب عليها الكبير !!
كما انقادت الأُسرة المسلمة لشرع ربها تعالى الحكيم في تقسيم الميراث؛ ليلمس الأبناء بر آبائهم بهم فيما تركوه لهم من خير !!
ولا تسل عن رعاية المسنين، فقد ضربت الأُسر المسلمة أرقى الأمثلة في ذلك !!
أمّا الأُسر غير المسلمة -من أتباع الملل والنحل المنحرفة- فقد زاد الأبناء فيها قُبحا في التعامل مع الوالدين -في الحضارة المادية المعاصرة- بالتعدي عليهما بالأذى الحسي؛ وليس بالكلام فقط ؛ كما قال أحد الأبناء لأبيه في أمم سابقة، قال تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا}[الأحقاف: ١٧]، زاد الأبناء في هذه الأُسر بالتسبب في عقاب الوالدين أو أحدهما من قِبل السلطات، حيث مكنت القوانين الوضعية -التي تزعم الحرية- الأبناء بشكوى آبائهم؛ إذا ما حاولوا تأديبهم عن الوقوع في العلاقات المحرمة، أو شرب المسكرات؛ التي أحلها القانون هناك، خاصة بعد سن الثامنة عشرة !!
وفي جانب بر الآباء بأبنائهم -بتقسيم الميراث كما شرع الله تعالى- فإن الأُسر غير المسلمة -التي لا تنقاد لشرع الله تعالى- تعمل على تقسيم الميراث كما يحلو لها، مما يذكي الخلاف بين أفراد الأسرة الواحدة إذا ما ظُلِم أحد في الوصية، بل وقد يتسبب ذلك في جرائم قتل؛ كقضية المجرم (Donald Hartung) الشهيرة، الذي قتل أمه وأخويه؛ لأن أمه أوصت بميراثها لابنيها، ونصت في الوصية أن ابنها Donald ليس له نصيب في الميراث؛ إذ ليس هناك ما يمنعها من كتابة وصيتها كما تشاء !!
أمّا المسنون من الآباء والأمهات الذين قال الله تعالى فيهم: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}؛ فإن دار العجزة هو مأواهم لدى الأُسر غير المسلمة -خاصة من يحتاج منهم إلى رعاية- إذ لا مكان لهم في بيوت قد انشغلت باللهو واللعب؛ وبات لا يهمها دخول جنة بسبب بر الوالدين؛ ولا خوف من نار بسبب عقوقهما، إضافة إلى البخل من النفقة على الوالدين، إذ لا ينعمون بتوجيهات كتوجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال:(إنَّ أولادَكم من أطيبِ كسبِكُم فَكلوا من أموالِهم) [صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (١٨٧٠)]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) [صححه الألباني في صحيح الجامع (١٤٨٦)]!!
فالحمدلله أن جعلنا من أُسر مسلمة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!