التأمل المفيد (٢٧٩)

الحلقة الحادية والأربعون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: ٤٩]، قال أهل التفسير: “قال هؤلاء التسعة بعضهم لبعض: تقاسموا بالله بأن يحلف كل واحد للآخرين: لنأتينَّ صالحًا بغتة في الليل فنقتله ونقتل أهله، ثم لنقولَنَّ لوليِّ الدم مِن قرابته: ما حضرنا قتلهم، وإنا لصادقون فيما قلناه” !!

أسلوب غاية في الفُجر والفسوق يسلكه المجرمون؛ مع ضحاياهم -بينه الله تعالى منذ ألف وأربعمائة سنة، في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال- وهو قتلهم للضحية بغتة -خاصة بالليل- وقتل جميع من معه -كما جاء في الآية الكريمة- حتى لا يبقى هناك شاهد على جريمتهم !!

وهو ذات الأسلوب الإجرامي الذي يستخدمه القتلة في هذا العصر، خاصة في المجتمعات التي فقدت الأمن؛ لشركها مع الله تعالى آلهة أخرى، قال تعالى في بيان المجتمع الذي يمن الله تعالى عليه بالأمن والطمأنينة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢]، والظلم في الآية هو الشرك كما قال علماء التفسير، ويفهم من الآية الكريمة أن المشركين لا ينعمون بالأمن والطمأنينة الذي خص الله تعالى به المؤمنين !!

وقد يكون الدافع عند هؤلاء المجرمين هو سرقة المال أو لدوافع جنسية، غير أن القتل هو المصير المحتوم للضحية ومن معه -أيًا كان الدافع وراء الجريمة- حتى لا يبقى أي شاهد على المجرمين !!

وبسبب الارتفاع الكبير في أرقام جرائم القتل لديهم؛ عمدت الجهات الأمنية في تلك الدول إلى حث الناس على الإبلاغ عن اختفاء أقاربهم وذويهم، وتعبئة نموذج يسمى: “تقرير فقد شخص” “missing person report” !!

وإن الواحد منا ليُصدم عندما يقف -ببحث يسير في الشبكة العنكبوتية- على أرقام التقارير الكثيرة والمرفوعة عن الأشخاص المفقودين سنويا في تلك المجتمعات .. وعلى سبيل المثال: كان عدد التقارير المرفوعة عن فقد أشخاص في عام ٢٠٢١ في الولايات المتحدة الأمريكية (٥٢١٧٠٥) أي بمعدل (١٤٤٩) يوميا، كثير منهم هاربون من أهليهم، وسرعان ما يجدونهم، ولكن يبقى مفقودون كُثُر لا يُعرف مصيرهم؛ إلا عن طريق مزيد من البحث الجنائي !!

أخيرا: لسائل أن يسأل: ألا يردع المجرمين في تلك المجتمعات؛ العمل لديهم بحكم الإعدام ؟
الجواب: لا يردع البشر من الإقدام على ارتكاب أفظع الجرائم إلا الإيمان بعقاب أكبر من الإعدام وأفظع وأدوم؛ وهو عذاب الآخرة الشديد الأليم !!

وهذا الإيمان بالعقاب الأخروي موجود لدى الأمة المسلمة، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]، وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢]، ولذا انحسرت أرقام الجريمة في مجتمعات المسلمين الآمنة المطمئنة !!

أمّا مجتمعات النصارى فإن من أكبر ما جرأ المجرمين لديهم على القتل؛ هو ذلك الفساد العقدي في دينهم:

فالكاثوليك والأرثوذكس يعتقدون أن أب الاعتراف لديهم -ولكل فرد كاثوليكي أو أرثوذكسي قس يعترف له بذنوبه- أب الاعتراف هذا يمكنه مغفرة جميع الذنوب -ومنها القتل- معتمدين على نص في إنجيلهم المحرّف يقول: “من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت” (يو20: 23)؛ ومن هنا جاءت صكوك الغفران !!

وأمّا الاعتقاد الأكثر فسادا فهو لدى البروتستانت -ويشكلون غالبية النصارى في أمريكا ومجموعة من دول أوروبا- وهو أن البروتستانتي يكفيه أن يؤمن بأن عيسى عليه السلام هو الإله الذي ارتضى صلب نفسه لمحو خطايا البشر -تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا- يكفيه ذلك ليضمن دخول الجنة؛ مهما اقترفت يداه من آثام وموبقات !!
ولا عجب أن يكون انتشار الجريمة أكبر بكثير في الدول التي يغلب عليها المذهب البروتستانتي كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا !!

فيالله .. كم هي مجتمعات الحضارات المادية -من غير المسلمين- بحاجة إلى التعرف إلى دين الفطرة، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!