التأمل المفيد (٢٧٢)

الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة : ٢٥٣] !!

شدني المشهد الأوكراني؛ وانشغال دول العالم بالحديث عنه؛ إلى أن أقف متأملا في كتاب ربنا تعالى، لأستلهم منه المعاني العظيمة حول القتال بين الناس، خاصة الأصل العقدي الكبير في موضوع القتال، وهو إرادة الله تعالى الغالبة؛ ومشيئته المطلقة النافذة في المعارك القتالية، وهو أصل جاء ذكره ضمن الآية الكريمة التي هي موضع التأمل، قال تعالى فيها: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ}، وقال تعالى فيها: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} !!

وعليه: إذا شاء البشر أن يقتتلوا؛ فإن إرادة الله تعالى الغالبة؛ ومشيئته المطلقة النافذة تتدخل أثناء القتال، أو قبله، أو بعده -إذا شاء سبحانه- ليفعل فيه مايريد؛ وفق علمه الواسع وحكمته البالغة، كما تدخلت إرادة الله تعالى الغالبة؛ ومشيئته المطلقة النافذة في الصراع الذي دار بين موسى عليه السلام وأتباعه من جهة؛ وفرعون وجنده من جهة أخرى، فقد هيأ سبحانه الأسباب؛ وأزال الموانع، ففلق لموسى عليه السلام ومن معه البحر بضربة بالعصا؛ فمشوا عليه يبسا، وأغرق تعالى فرعون وجنده، وانتصر المؤمنون !!

والذي شدني أكثر إلى الكتابة في موضوع القتال بين الناس -الذي لم تنفك البشرية عنه خلال تاريخها الطويل، وسيستمر حتى آخر الزمان- هو أن البعض يقصُر رؤيته لقدرة الله تعالى على الناس في: الإحياء والإماتة، وشفاء المرضى، وفي رزقهم بإنزال القطر وإنبات الأرض، وجعل الشمس لهم ضياء والقمر نورا، وغيرها من أمور التدبير الإلهي لبني آدم !!
أمّا الحروب إنما هي -عند هذا البعض- أمور تدور بين بني البشر، بأسباب بشرية خالصة، لا دخل لخالق البشر فيها !!

لذلك سأستشهد في هذا المقال ببعض آيات الكتاب الحكيم، يدور جميعها حول إرادة الله تعالى الغالبة؛ ومشيئته المطلقة النافذة -بعلمه وحكمته- في القتال بين الناس:

منها: أن إرادة الله تعالى الغالبة ومشيئته المطلقة النافذة تتدخل -إذا شاء سبحانه- في القتال حتى قبل وقوعه، قال الله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء : ٦]، قال أهل التفسير: “ثم رَدَدْنا لكم -يا بني إسرائيل- الغلبة والظهور على أعدائكم الذين سُلِّطوا عليكم، وأكثرنا أرزاقكم وأولادكم، وقَوَّيناكم وجعلناكم أكثر عددًا من عدوكم؛ وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله” !!

ومنها: أن الحروب أيام بين الناس، يُصَرِّفها الله تعالى كيف يشاء؛ نصر مرة، وهزيمة مرة أخرى، لما في ذلك من الحكمة، قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران : ١٤٠] !!

ومنها: أنه حتى الصبر والثبات -الذي يجب على المقاتلين التحلي به- إنما يُطلب ويُستنزل من الله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة : ٢٥٠] !!

ومنها: أن إرادة الله تعالى الغالبة: ومشيئته المطلقة النافذة لا ينحصر تدخلها -إذا شاء سبحانه- في القتال بين فئة مسلمة وأخرى غير مسلمة، بل حتى في قتال غير المسلمين؛ بعضهم مع بعض، يُظهِر الله تعالى -إذا شاء سبحانه- فئة على أخرى، قال تعالى: {الم • غُلِبَتِ الرُّومُ • فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ • فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم : ١-٤]، وقد غلبت فارس الروم أولا؛ ثم أظهر بعد ذلك سبحانه الروم على فارس، ولله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد !!

ومنها: أن لله تعالى جنود السماوات والأرض؛ ينصر بها من يشاء .. وإن من أعظم ما ينصر الله تعالى به فئة على فئة؛ أن يقذف الرعب في قلوب من كتب عليهم الهزيمة، قال تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر : ٢] !!

أخيرا: ما تم بيانه أعلاه -من كلام ربنا القوي العزيز- هو جزء من أعظم معرفة يمكن أن تصل إليها البشرية في علوم العقائد العسكرية -وهو مصطلح بات متداولا في الدراسات العسكرية على مستوى العالم- وهذه المعرفة لا يوفق إليها إلا المسلمون؛ وما فيها من أسباب النصر أو الهزيمة؛ والصعود أو الأُفول !!

ومن لوازم هذه العقيدة العسكرية الربانية: أن تأخذ أمة الإسلام بالأسباب المادية للاستعداد لقتال الأعداء، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال : ٦٠]، ثم يبقى أنه حتى بعد الإعداد؛ لابد من التيقن أن النصر من عند الله تعالى وحده؛ وليس بسبب قوتهم وشدة بأسهم وحُسن إعدادهم، قال تعالى بعد أن مدّ المؤمنين بألف من الملائكة مردِفين: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال : ١٠] !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!