الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران : ١٩١] !!
لو شيدت أمانة مدينة من المدن خيمة ضخمة، بطول كيلو وارتفاع كيلو وعرض كيلو !! لتساءل أهل المدينة أجمعون : ما الهدف الكبير الذي شُيدت من أجله تلك الخيمة العملاقة ؟!
فإن تشييد خيمة عملاقة في مدينة ما، يثير التساؤل !! وهذا ليس بغريب على فضول الإنسان، إذا ما صادف أمرا مدهشا !! لكن الغريب جدا جدا ألّا يندهش ممّا هو أعظم من تشييد خيمة عملاقة بمليارات مليارات المرات .. إنه خلق السماوات والأرض، ومعرفة الحق من وراء خلقهما !!
لم يكتف القرآن الكريم ببيان الحق من خلق السماوات والأرض، كقوله تعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ..} [الحجر : ٨٥]، وقال تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} [العنكبوت : ٤٤] !!
بل زاد وحكى الاستغراب ممن لا يقف على الحق من خلق السماوات والأرض، وكأنهما خلقتا بدون هدف، قال تعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان : ٣٨]، وقال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} [ص : ٢٧] !!
ولذا كان من المهم أن يعرف كل إنسان على هذه الأرض، ما ذكره الله تعالى عن هذا الحق الذي لأجله خلق السموات والأرض !!
فمن الحق في ذلك: أن الله خلق السماوات والأرض ليتعرف الخلق إليه, قال تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق : ١٢], ومن هذه المعرفة أنه سبحانه هو من سخر لهم ما فيهما, قال تعالى: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الجاثية : ١٣] !!
وهذا الحق الكبير -معرفة الله تعالى, وأنه سخر للإنسان ما في السماوات والأرض- هو أكثر حديث القرآن للناس، وقد جنبتنا هذه المعرفة, ولله الحمد، نحن المسلمين، تلك التصورات التي يعيشها غير المسلمين بأنهم في صراع مع هذا الكون .. حتى انعكس هذا التصور على أفلام الخيال العلمي لديهم, ليحكي صراعاً مشوباً بالخوف مع هذا الكون الذي يجب قهره -كما يزعمون- ..
فشتان بين تصورهم وبين تصور المسلم الذي يعتقد أن الله سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه .. وغفِل غير المسلمين أنه لولا تسخير الله تعالى لنا، ما في هذا الكون، لسحقنا بنيزك كبير من نيازكه، ينزل على هذه الأرض -الهباءة- بجانب هذا الكون الكبير !!
ومن الحق في خلق السماوات والأرض هو أن معيشة الناس على هذه الأرض يجب أن تكون وفق منهجه تعالى وشرعه, وألا يشركوا به أحدا, قال تعالى {خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون} [النحل : ٣], قال أهل التفسير: “ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما, وأنه وحده المستحق للعبادة, تنزه –سبحانه- وتعاظم عن شركهم” .. وهذا الحق –خلقُ السماوات والأرض لعبادته سبحانه- أدلته كثيرة في القرآن الكريم, منها قوله تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} [فاطر : ٣٩] !!
كذلك من الحق في خلق السماوات والأرض اليقين بأننا سنبعث بعد الموت وسنحاسب على ما عملنا في هذه الدنيا, قال تعالى: {وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون} [الجاثية : ٢٢] .. وشواهد هذا الحق من خلق السماوات والأرض كثيرة في القرآن الكريم، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} [الملك : ٢]، وقال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون : ١١٥] !!
هل لاحظ القارئ الكريم أن الآيات التي استشهدت بها، ذكرت السماوات والأرض وهي تعرض الحق الذي من أجله خلقهما سبحانه، في نفس الآية الكريمة .. سواء حق معرفة الله أو حق عبادته أو حق البعث والحساب !!
وأخيرا: نحن كمسلمين، نعرف هذا الحق الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، ونعيشه واقعا بعبادتنا لله تعالى وحده .. وإن كان منا الظالم لنفسه ومنا المقتصد ومنا السابق بالخيرات بإذن الله !! لكن، وحتى نعي ضخامة هذا الموضوع المتعلق بخلق السماوات والأرض، فلنعلم أن غير المسلمين يخلدون في نار جهنم لعدم معرفتهم لهذا الموضوع الجلل الكبير ، وعدم العمل بمقتضى هذه المعرفة .. ولذا ينبغي علينا، إن أردنا رحمة أنفسنا، ورحمة غيرنا ، -كما كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين- أن نعتني غاية العناية بالعلم الأعلى -كما سماه ابن تيمية- وهو العلم بالأعلى سبحانه وتعالى، أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الجليلة العظيمة .. ونزداد في تعلمه بتدبر كتاب الله المقروء والتفكر في كتاب الكون المنظور .. ونعتني كذلك بنشره في العالمين !!
اللهم ارزقنا العلم بك، وخشيتك، والإنابة إليك !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!