الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف : ١٨٧]، قال أهل التفسير عن الساعة: “ثَقُلَ علمها، وخفي على أهل السموات والأرض” !!
نقف مع هذه الآية الكريمة متأملين ومتدبرين:
الوقفة الأولى:
قيام الساعة وما يصحبها من أهوال؛ حدث جلل عظّمه الله تعالى وعظّمه رسوله صلى الله عليه وسلم !! ولذا كان من الطبيعي أن يشفق منها المؤمنون، قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [الشورى : ١٨]، قال أهل التفسير: “والذين آمنوا بها خائفون من قيامها، ويعلمون أنها الحق الذي لا شك فيه.” !!
والناس -في هذه الدنيا- يشفقون ويخافون من أمور كثيرة ومختلفة !! منها خوفهم وإشفاقهم من الحروب، ومن الزلالزل والأعاصير، ومن انقطاع الطاقة؛ المسبب لشلل في كثير من أمور الحياة، خاصة في هذا العصر، وغير ذلك من الأمور؛ التي صار الخوف منها؛ والاستعداد لها جزءاً من ثقافة الناس جميعا، مسلمين وغيرهم !!
وقد غطى القرآن الكريم الكثير من الأمور التي تخيف الناس في هذه الحياة الدنيا، وجعلها لا شيء يُذكر؛ إذا ما قارناها بأهوال يوم القيامة !! من ذلك:
الساعة أدهى وأمر من الحروب، قال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ • بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ} [القمر : ٤٥-٤٦] !! والبعض قد يشفق ويخاف من صافرات الإنذار إذا أطلقت !! فأين الإشفاق من قيام الساعة، وقد ظهرت علاماتها الصغرى ؟!
والساعة زلزالها عظيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج : ١] !! والنَّاس يخافون من الزلازل !! فأين الإشفاق من زلزلة الساعة، وقد ظهرت علاماتها الصغرى ؟!
والساعة تُلف فيها الشمس ويذهب ضؤها، وتتناثر فيها النجوم ويذهب نورها، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ • وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير : ١-٢] !! والنَّاس يخافون انقطاع الطاقة؛ المؤدي إلى الظلام حتى لو كان لفترة قصيرة وفي موقع صغير !! فأين الخوف من ذهاب ضوء الشمس والنجوم عند قيام الساعة، وقد ظهرت علاماتها الصغرى ؟!
الوقفة الثانية:
العجيب أن تدبر ما جاء في الوحيين عن الساعة وأهوالها؛ أخاف الصالحين من سلف هذه الأمة -المحسنين الظن بالله تعالى- قبل المقصرين !! ذلك أن الإشفاق من الساعة منبعه التصديق واليقين بما قاله الله تعالى، وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم عنها !!
فهذا الصديق رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد. يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل) [كتاب الاستذكار (ص: 339)], كله شفقة منه رضي الله عنه من قيام الساعة !!
وهذا الفاروق رضي الله عنه كان يسمع الآية من كتاب الله تعالى فيمرض، فيعاد أياما ! وأخذ تبنة من الأرض فقال: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً، يا ليت أمي لم تلدني)[مصنف ابن أبي شيبة (35621)] !!
وأخيرا: عنيت سور المفصل من القرآن الكريم بالحديث عن الساعة وأهوالها !! فعلى المسلم تدبر آيات هذه السور، خاصة وأن السنة القراءة منها في الصلاة !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!