التأمل المفيد (٢٣٢)

الحلقة المائة من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ • إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة : ٦-٧]، قال أهل التفسير: “إن الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين عقابهم نار جهنم خالدين فيها، أولئك هم أشد الخليقة شرا !! إن الذين صَدَّقوا الله واتبعوا رسوله وعملوا الصالحات، أولئك هم خير الخلق.” !!

نقف مع هاتين الآيتين الكريمتين متأملين ومتدبرين: 

أن يضع البشر لأنفسهم معيارا للتقدم أو التأخر الاقتصادي؛ يُعرف به تقدم  أو تأخر الفرد أو المجتمع اقتصاديا؛ فهذا أمر لا بأس به !!
وكذلك لو وضع البشر معيارا للتقدم أو التأخر في مجال الطب، أو الهندسة، أو التسليح، أو غيرها من مجالات العلوم المادية؛ فلا بأس بذلك أيضا !!

أمّا تقدم الفرد أو المجتمع في الخيرية، أو انحدارهم نحو الشر؛ فهذا أمر جلل؛ قد تولاه ووضع معياره وميزانه الله العليم الحكيم !!

لقد أكثر القرآن الكريم وأفاض من ذكر المعيار الذي وضعه الله تعالى للبشر لمعرفة مدى رقيهم أو تدنيهم في الخيرية في هذه الدنيا وفي الآخرة !! وقد اخترت الآيتين الكريمتين من سورة البينة لبيان هذا المعيار، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ • إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} !!
حكم سبحانه في الآية الأولى على غير المسلمين أنهم شر الخليقة؛ لكفرهم بالله العظيم، وتمردهم على منهجه القويم !! كما حكم سبحانه في الآية الثانية على المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنهم خير الخليقة؛ لإيمانهم بالله العظيم، واستقامتهم على منهجه القويم !!

ويكفي أن نعلم أن الله تعالى سيجازي غير المسلمين بالخلود في النار؛ لنستيقن أنهم شر الخليقة وأشدها ارتدادا إلى أسفل سافلين، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا • خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب : ٦٤-٦٥]، قال أهل التفسير: “إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة ، ماكثين فيها أبدًا، لا يجدون وليًّا يتولاهم ويدافع عنهم، ولا نصيرًا ينصرهم، فيخرجهم من النار.” !!

وحين يزن المسلم خيرية الأفراد أو المجتمعات -في الدنيا وفي الآخرة- بهذا الميزان الرباني الذي بينته آيتا سورة البينة؛ فإن الرحمة ستفيض من قلبه؛ في شكل دعوة صادقة لغير المسلمين؛ الذين سلكوا مسلكا ينافي الخيرية؛ ويشقيهم في دنياهم وآخرتهم !!

إن هذا الميزان الرباني في معرفة الخيرية من عدمها لدى الأفراد والمجتمعات؛ يعالج ما وقع في نفوس بعض المسلمين من انبهار شديد بالحضارة المادية المعاصرة !! يعالجه ليصبح الموقف الصحيح من هذه الحضارة: أخذ واقتباس ما ينفع منها !! مع الدعوة الصادقة الجادة لأصحاب هذه الحضارة؛ لإنقاذهم من عذاب جهنم من جهة، ومن جهة أخرى العمل على دلالتهم إلى الحياةالطيبة في هذه الدنيا إن هم استقاموا على دين الله تعالى ومنهجه القويم، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل : ٩٧] !!

هذا وإن من أدبيات دعوتنا لغير المسلمين؛ أن نصبر على أذاهم ونعفو عنهم، حتى مع كونهم شر الخليقة، قال تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف : ٨٩]، قال أهل التفسير: “فاصفح -أيها الرسول- عنهم، وأعرض عن أذاهم، ولا يَبْدُر منك إلا السلام لهم الذي يقوله أولو الألباب والبصائر للجاهلين، فهم لا يسافهونهم ولا يعاملونهم بمثل أعمالهم السيئة، فسوف يعلمون ما يلقَوْنه من البلاء والنكال. وفي هذا تهديد ووعيد شديد لهؤلاء الكافرين المعاندين وأمثالهم.” !!

وأخيرا: فإن صِدق الأمة المسلمة في خيريتها -المشروطة بعمل الصالحات- يعني نهضتها في كافة المجالات !! ولن يبقوا متخلفين عن غيرهم في الصناعة وغيرها !! تماما كما حصل لصدر هذه الأمة؛ الذين ارتقوا من القلة والضعف؛ إلى العزة والتمكين !! بل هو وعد من الله تعالى لكل من اعتز به سبحانه؛ على مدار تاريخ الأمة الإسلامية المديد، قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر : ١٠]، قال أهل التفسير: “من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله، ولا تُنال إلا بطاعته، فلله العزة جميعًا” !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!