الحلقة التاسعة والتسعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ • وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ} [النازعات : ١٨-١٩]، قال أهل التفسير: “فقل له: أتودُّ أن تطهِّر نفسك من النقائص وتحليها بالإيمان، وأُرشدك إلى طاعة ربك، فتخشاه وتتقيه؟” !!
سؤال: ما هو المطلوب من فرعون لو أسلم لله تعالى؛ كما صرحت بذلك الآية الكريمة التي هي موضع التأمل ؟!
الجواب: المطلوب منه؛ أن يخشى الله تعالى مباشرة بعد إسلامه !!
كلما تأملت الخطاب القرآني الكريم الموجه إلى فرعون؛ بأن يخشى الله تعالى حال إسلامه مباشرة -بالرغم من طول مكثه في الكفر والطغيان- كلما تبين لي أهمية خشية الله تعالى من قِبل كل مسلم من الملياري مسلم !!
وممّا يجعلني مهتما بالحديث عن موضوع الخشية، وأنها مطلوبة من كل مسلم؛ هو أن البعض قد يجمع بين عدم الانتباه إلى آية سورة النازعات: {وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ}؛ التي طالبت فرعون بخشية الله تعالى لو أسلم، فكيف بمن ولد مسلما ؟! قد يجمع البعض مع عدم الانتباه إلى آية سورة النازعات؛ مجانبة الصواب في فهم قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر : ٢٨]، فيظن أن خشية الله تعالى مَرْتَبة متقدمة في الإيمان، وأنها خُصت بالعلماء .. وهذا الفهم يخالف فهم العلماء للآية الكريمة، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في تفسير الآية: “فكل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يخشى الله، لكن خشية الله فيهم متفاوتة، فكلما كان المؤمن أبصر بالله وأعلم به وبدينه كان خوفه لله أكثر، وكلما قل العلم وقلت البصيرة قل الخوف من الله وقلت الخشية منه سبحانه” انتهى كلامه[مجموع فتاوى ابن باز (٤٨/٥)] !!
وأمّا عن تخصيص ذكر العلماء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}؛ فالحديث في الآية الكريمة عن الخشية الأكمل، قال الشيخ رحمه الله: “فالمعنى: إنما يخشى الله الخشية الكاملة هم العلماء بالله، الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه وتبصروا في شريعته وعرفوا ما عنده من النعيم لمن اتقاه، والعذاب لمن خالفه وعصاه، فهم لكمال علمهم بالله هم أشد الناس خشية لله” انتهى كلامه[مجموع فتاوى ابن باز (٤٨/٥)] !!
وأخيرا: إن ممّا يدفع المسلم إلى زيادة خشيته لله تعالى؛ زيادة اهتمامه بالعلم بالله تعالى؛ وأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وتتبع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي بينت جزاء الذين يخشون ربهم؛ كقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة : ٨] !! وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَلِجُ النارَ رجلٌ بكَى من خَشيَةِ اللهِ حتى يعودَ اللبَنُ في الضَّرْع)[صححه الألباني في مشكاة المصابيح (٣٨٢٨)] !!
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ)[صححه الألباني في صحيح الجامع (١٣٠١)]، أي في السر والعلن، وفي حضور الناس وغيبتهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!