التأمل المفيد (٢٢٦)

الحلقة الرابعة والتسعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!

قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} [القمر : ١١] !!

حدثت خلال هذا الشهر فيضانات عظيمة في الصين وألمانيا، متسببة في كوارث جسيمة؛ تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة !!
وبالرغم من تقدم هذه الدول في علم الأرصاد الجوية وتخصصاته المختلفة؛ بما في ذلك التنبؤات الجوية -وهو أمر حسن ومطلوب- غير أن ذلك لم يغن عنهم شيئا من نزول الأمطار بتلك السرعة والكثافة؛ وحصول تلك الفيضانات المدمرة !!

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يفتقده غير المسلمين من علم وعمل شرعي للتعامل مع المناخ، بالإضافة إلى البُنى التحتية الضخمة التي شيدوها، وعلوم الأرصاد الجوية بجميع فروعها؛ التي أبدعوا فيها ؟

الجواب: في عدة محاور مهمة:
أولا: يفتقد غير المسلمين في تعاملهم مع المناخ إلى توحيد الله تعالى واتباع نهجه، وأنه وإن كان البشر قد بنوا السدود للتحكم في المياه، والبُنى التحتية الضخمة لتصريف المياه؛ فإن الله تعالى يملك الأرض وما فيها، والبشر وما أشادوا عليها، والسماء وغلافها ونجومها وكواكبها وسحبها وماءها، فله سبحانه ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس : ٨٣]، فلابد للبشر أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى ولا يشركوا به شيئا؛، ويجتنبوا السيئات؛ حتى لا يُنزِل عليهم عذابا من السماء والأرض، قال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ • وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر : ١١-١٢] !!
واجتناب السيئات يدخل فيه المسلمون، قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء : ١٢٣] !!
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غيما أو ريحا عُرِف في وجهه فقالت له عائشة رضي الله عنها: (يا رسولَ اللهِ، الناسُ إذا رأوْا الغَيْمَ فرحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطرُ، وأَراك إذا رأيتَه عُرِفَتْ في وجهِك الكراهيةُ! فقال: يا عائشةُ، ما يُؤْمِنُني أن يكونَ فيه عذابٌ ؟ قد عُذِّبَ قومٌ بالريحِ، وقد رأى قومٌ العذابَ قالوا هذا عارض ممطرنا)[متفق عليه]، والحديث يدل على خوف ووجل أهل الإسلام من التقصير في حق الله تعالى مهما أحسنوا العمل !!

ثانيا: يفتقد غير المسلمين في تعاملهم مع المناخ -بعد توحيد الله تعالى واتباع نهجه- إلى الإيمان كذلك بأنه سبحانه قد أوكل لإنزال المطر مَلَكا هو ميكائيل عليه السلام، ثبت ذلك بالنص الشرعي حينما سأل بعض اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فإنَّه ليس من نبيٍّ إلا له مَلَكٌ يَأتيهِ بالخبرِ فأَخْبِرْنا مَن صاحِبُكَ قال: (جِبريلُ عليهِ السلامُ) قالوا: جبريلُ ذاك الذي يَنزلُ بالحربِ والقتالِ والعذابِ عَدُوُّنا لو قلتَ ميكائيلَ الذي ينزلُ بالرحمةِ والنباتِ والقَطْرِ لكانْ، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} إلى آخرِ الآيةِ.[أخرجه أحمد في المسند، وقال أحمد شاكر إسناده صحيح (مسند أحمد ٤‏/١٦١)]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ميكائيل موكل بالقطر والنبات.[تفسير ابن كثير (٣٤٢/١)] !!
فالقضية لا تحتاج فقط إلى زيادة عناية بموضوع الاحتباس الحراري لتنتهي مثل هذه الكوارث -والاهتمام بموضوع الاحتباس الحراري أمر جيد ومطلوب- القضية مَلَك عليه السلام موكل من الله تعالى بإنزال المطر؛ يؤمر من خالق الكون سبحانه فيطيع ولا يعصي !!
كذلك ليست الفيضانات من فِعل الطبيعة؛ التي يردون إليها -بزعمهم- كثيرا من أقدار الله تعالى في هذا الكون الفسيح !!

ثالثا: يفتقد غير المسلمين كذلك -بعد توحيد الله تعالى واتباع نهجه- إلى تعلم صلاة الاستسقاء؛ التي سنها لنا سيد الأولين والآخرين عند شُح المطر، وهي صلاة نسأل الله تعالى بها -نحن المسلمين- إنزال الغيث النافع؛ الذي لا يتحول إلى فيضانات مدمرة .. ولذا نقول في الدعاء: اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا، مريئًا مَريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل !!

رابعا: يفتقد غير المسلمين كذلك -بعد توحيد الله تعالى واتباع نهجه- إلى تعلم الأذكار التي سنها لنا رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم للتعامل مع المناخ، من ذلك دعاء الرعد: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)، ودعاء الريح: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)، ودعاء عند نزول المطر: (اللهم صيبا نافعا)، ودعاء بعد نزول المطر: (مُطِرنا بفضل الله ورحمته) !!

وأخيرا: المقال؛ وإن كان فيه تذكير لنا نحن المسلمين؛ إلا إنه يلفت انتباه غير المسلمين إلى التعامل الصحيح مع جزء مهم من أجزاء هذا الكون الفسيح؛ المناخ .. فعسى الله تعالى أن ييسر وصوله إلى غير المسلمين، وبلغاتهم المختلفة !!

والحمدلله الذي دعانا للدخول في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه؛ ومنها التعامل مع المناخ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة : ٢٠٨]، “السِّلْمِ” في الآية الكريمة هو الإسلام كما قال أهل التفسير !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!