الحلقة الثالثة والتسعون من سلسلة “معا؛ لنرتقي في تقديرنا لله تعالى حق قدره في هذه الحياة الدنيا؛ بالتأمل في بعض الآيات القرآنية الكريمة !!
قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق : ٤٤]، قال أهل التفسير: “يوم تتصدع الأرض عن الموتى المقبورين بها، فيخرجون مسرعين إلى الداعي، ذلك الجمع في موقف الحساب علينا سهل يسير.” !!
مع أن غير المسلمين -على مر العصور- دأبوا على الاهتمام بالأحداث المستقبلية التي تمس حياتهم .. غير أن حشر الناس إلى ربهم يوم القيامة؛ لا نجده حاضرا في نفوسهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة : ١٣] !!
وأمّا المتقون من المسلمين -على مر العصور- فإنهم يحسبون لهذا الحدث العظيم -حشر الناس لرب العالمين- حسابا كبيرا، قال تعالى عن موسى وهارون عليهما السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ • الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء : ٤٨-٤٩]، تأمل إشفاقهما عليهما السلام من الساعة؛ يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين !!
ولأن حشر الناس على الله تعالى أمر يسير، قال تعالى: {ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} !!
فدعونا نقف وقفات مع يُسر حشر الله تعالى للخلق؛ متى يشاء، وكيف يشاء سبحانه:
الوقفة الأولى: لقد كان يسيرا على خالق هذا الكون سبحانه أن يحشر جميع ذرية آدم عليه السلام، للمرة الأولى في هذه الدنيا في عرفة -وادي نعمان- قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف : ١٧٢]، وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : “أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان” يعني عرفة “فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قِبَلا فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا} الآية – إلى {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} .. [السلسلة الصحيحة 1623] !!
الوقفة الثانية: وكذلك يسير على الله تعالى أن يحشر الخلق أجمعين يوم القيامة، فلا يترك منهم أحدا، قال تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف : ٤٧]، حتى الشياطين يحشرهم، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم : ٦٨]، وحتى الدواب والطير يحشرهم يوم القيامة، قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام : ٣٨]، قال أهل التفسير: “فيحاسب الله كلا بما عمل.” !!
الوقفة الثالثة: ويسير على الله تعالى أن يحشر المتقين إليه -وهو الرحيم بهم- وفودا مكرمين يوم القيامة، قال ذلك أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا} [مريم : ٨٥] !!
الوقفة الرابعة: كما هو يسير عليه سبحانه أن يحشر المجرمين زرقا، قال تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه : ١٠٢]، قال أهل التفسير: “تغيَّرت ألوانهم وعيونهم؛ من شدة الأحداث والأهوال.” !!
وأخيرا: لأن حشر الخلق يوم القيامة حدث جلل وعظيم؛ فقد اعتنى القرآن الكريم بالتذكير به بأساليب متنوعة، وفي مناسبات مختلفة !!
من ذلك: ذكره مع مواسم العبادات، ففي الحج الذي يحتشد فيه جمع كبير من المسلمين لأداء مناسكهم؛ وخاصة اجتماعهم في عرفة -المكان الذي حشر الله تعالى فيه البشرية جمعاء للمرة الأولى، كما مرت معنا النصوص الشرعية- جاء التذكير بالحشر يوم القيامة في آية من آيات أحكام الحج، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة : ٢٠٣] !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!